وقيل : غشيهم ما سمعت قصته وليس بذلك فان مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لاسماع القصة والظاهر أن ضميري الجمع لفرعون وجنوده وقيل : لجنوده فقط للقرب ولانه القى بالساحل ولم يتغط بالبحر كما اشير اليه بقوله تعالى فاليوم ننجيك ببدنك وفيه أن الانجاء بعد ما غشيه ما غشى جنوده وشك بنو اسرائيل في هلاكه والقرب ليس بداع قوي فقيل : الضمير الأول لفرعون وجنوده والثاني لموسى عليه السلام وقومه وفي الكلام حذف أي فنجا موسى عليه السلام وقومه وغرق فرعون وجنوده انتهى وليس بشئ كما لا يخفى وقرأت فرقة منهم الأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم أي غطاهم ما غطاهم فالفاعل ما أيضا وترك المفعول زيادة في الأبهام وقيل : المفعول من اليم أي بعض اليم ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى شأنه وما مفعول قيل : هو ضمير فرعون والأسناد مجازي لأنه الذي ورطهم للهلكة ويبعده الأظهار في قوله تعالى واضل فرعون قومه أي سلك بهم مسلكا اداهم إلى الخسران في الدين والدنيا معا حيث اغرقوا فادخلوا نارا وما هدى .
79 .
- أي وما ارشدهم إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية والمراد بذلك التهكم به كما ذكر غير واحد واعترض بأن التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعارة ونحوها نحو إنك لأنت الحليم الرشيد إذا كان الغرض الوصف بضد هذين الوصفين وكونه لم يهد اخبار عما هو كذلك في الواقع .
وأجيب بأن الأمر كذلك ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا ثبوت كون زيد عالما بطريق الهداية مهتديا في نفسه ولكنه لم يهد عمرا وفرعون اضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدي غيره ويحقق ذلك أن الجملة الأولى كافية في الأخبار عن عدم هدايته إياهم بل مع زيادة اضلاله إياهم فان من لا يهدى قد لا يضل وإذا تحقق اغناؤها في الأخبار على اتم وجه تعين كون الثانية بمعنى سواه وهو التهكم وقال العلامة الطيبي : توضيح معنى التهكم أن قوله تعالى وما هدى من باب التلميح وهو اشارة إلى ادعاء اللعين ارشاد القوم في قوله وما اهديكم إلا سبيل الرشاد فهو كمن ادعى دعوى وبالغ فيها فاذا حان وقتها ولم يات بها قيل له لم تات بما ادعيت تهكما واستهزاء انتهى ويعلم مما ذكر المغايرة بين الجملتين وانه لا تكرير وقيل : المراد وما هداهم في وقت ما ويحصل بذلك المغايرة لأنه لا دلالة في الجملة الأولى على هذا العموم والأول أولى وقيل : هدى بمعنى اهتدى أي اضلهم وما اهتدى في نفسه وفيه بعد وحمل بعضهم الاضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما ويأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي وجعلهما عبارة عن الاضلال في البحر والانجاء منه مما لا يقبله الطبع المستقيم .
واحتج القاضي بالآية على أنه تعالى ليس خالقا للكفر لأنه تعالى شأنه قد ذم فيها فرعون باضلاله ومن ذم أحد بشئ يذم إذا فعله وأجيب بمنع اطراد ذلك يا بني اسرائيل حكاية لما خاطبهم تعالى به بعد اغراق عدوهم وانجائهم منه لكن لا عقيب ذلك بل بعد ما افاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية ما افاض .
وقيل : انشاء خطاب للذين كانوا منهم في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على معنى أنه تعالى قد من عليهم بما فعل بابائهم اصالة وبهم تبعا وتعقب بأنه يرده قوله تعالى وما اعجلك الخ ضرورة استحالة حمله على الأنشاء وكذا السباق فالوجه هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على اوحينا أي وقلنا يا بني اسرائيل قد انجيناكم من عدوكم فرعون وقومه حيث كانوا يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم