بعنوان العبودية لله تعالى لاظهار الرحمة والأعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده D وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ولم يراقب فيهم مولاهم الحقيقي جل جلاله والظاهر أن الايحاء بما ذكر وكذا ما بعده كان بمصر أي وبالله تعالى لقد أوحينا اليه عليه السلام أن سر بعبادي الذين ارسلتك لانقاذهم من ملكة غرعون من مصر ليلا فاضرب لهم بعصاك طريقا في البحر مفعول به لاضرب على الأتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليصير لهم طريقا يبسا أي يابسا وبذلك قرأ أبو حيوة على أنه مصدر جعل وصفا لطريقا مبالغة وهو يستوى فيه الواحد المذكر وغيره .
وقرأ الحسن يبسا بسكون الباء وهو أما مخفف منه بحذف الحركة فيكون مصدرا أيضا أو صفة مشبهة كصعب أو جمع يابس كصعب وصاحب ووصف الواحد به للمبالغة وذلك أنه جعل الطريق لفرط يبسها كاشياء يابسة كما قيل في قول القطامي : كأن قتود رحلي حين ضمت حوالب غرزا معى جياعا أنه جعل المعى لفرط جوعه كجماعة جياع أو قدر كل جزء من أجزاء الطريق طريقا يابسا كما قيل في نطفة امشاج وثوب أخلاق أو حيث أريد بالطريق الجنس وكان متعددا حسب تعدد الأسباط لا طريق واحدة على الصحيح جاء وصفه جمعا وقيل : يحتمل أن يكون اسم جمع والظاهر أنه لا فرق هنا بين اليبس بالتحريك واليبس بالتسكين معنى لأن الأصل توافق القراءتين وإن كانت إحدهما شاذة وفي القاموس اليبس بالاسكان ما كان اصله رطبا فجف وما اصله اليبوسة ولم يعهد رطبا يبس بالتحريك وأما طريق موسى عليه السلام في البحر فانه لم يعهد طريقا لا رطبا ولا يابسا إنما اظهره الله تعالى لهم حينئذ مخلوقا على ذلك اه .
وهذا مخالف لما ذكره الراغب من أن اليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذهبت والمكان إذا كان فيه ماء فذهب وروى أن موسى عليه السلام لما ضرب البحر وانفاق حتى صارت فيه طرق بعث الله تعالى ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست وذهب غير واحد أن الضرب بمعنى الجعل من قولهم : ضرب له في ماله سهما وضرب عليهم الخراج أو بمعنى الاتخاذ فينصب مفعولين أولهما طريقا وثانيهما لهم .
واختار أبو حيان بقاءه على المعنى المشهور وهو اوفق بقوله تعالى ان اضرب بعصاك البحر وزعم أبو البقاء أن طريقا على هذا الوجه مفعول به وقال : التقدير فاضرب لهم موضع طريق لا تخاف دركا في موضع الحال من ضمير فاضرب أو الصفة الاخرى لطريقا والعائد محذوف أي فيها أو هو استئناف كما قال أبو البقاء وقدمه على سائر الحتمالات وقرأ الأعمش وحمزة وابن أبى ليلى لا تخف بالجزم على جوانب الأمر اعني اسر ويحتمل أنه نهى مستانف كما ذكره الزجاج وقرأ أبو حيوة وطلحة والأعمش دركا بسكون الراء وهو اسم من الادراك أي اللحوق كالدرك بالتحريك وقال الراغب : الدرك بالتحريك في الآية ما يلحق الأنسان من تبعة أي لا تخاف تبعة والجهور على الأول أي لا تخاف أن يدرككم فرعون وجنوده من خلقكم ولا تخشى .
77 .
- أن يفرقكم البحر من قدامكم وهو عطف على لا تخاف وذلك ظاهر على الأحتمالات الثلاثة في قراءة الرفع وأما على قراءة الجزم فقيل هو استئناف أي وأنت لا تخشى وقيل :