وهو داخل في عموم من يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ولا يخرجه عن العموم ارتكابه الكبيرة ومتى كان له الجنة فعي لمن آمن وارتكب الكبيرة ولم يعمل الأعمال الصالحة أيضا إذ لا قائل بالفرق فاذا قالوا : مرتكب الكبيرة على يقال له مؤمن كما لا يقال كافر لاثباتهم المنزلة بين المنزلتين فلا يدخل ذلك في العموم ابطلنا ذلك وبرهنا على حصر المكلف في المؤمن والكافر ونفي المنزلة بين الأيمان والكفر بما هو مذكور في محله .
وعلى تقدير تسليم أن من يأته مؤمنا الخ لا يعم مرتكب الكبيرة يقال : أن قوله تعالى فأولئك لهم الدرجات العلى يدل على حصول العفو لاصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى وجنات عدن لمن اتى بالأيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات الغير العالية والجنات لا بد أن تكون لغيرهم وما هم إلا العصاة من أهل الأيمان .
ولقد أخرج أبو داود وابن مردويه عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدرى في افق السماء وان ابا بكر وعمر منهم وانعما واستدل على شمول من ياته مؤمنا صاحب الكبيرة بقوله تعالى وذلك جزاء من تزكى بناء على ما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما من أن المراد بمن تزكى من قال لا اله إلا الله كأنه اراد من تطهر عن دنس الكفر والله تعالى أعلم .
ثم أن العاصي إذا دخل جهنم لا يكون حاله كحال المجرم الكافر إذا دخلها بل قيل : إنه يموت احتجاجا بما أخرج مسلم واحمد وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى ان رسول الله A خطب فاتى على هذه الآية أنه من يات الخ فقال E : أما اهلها يعني جهنم الذين هم اهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا باهلها فان النار تميتهم اماته ثم يقوم الثفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما تنبت القثاء بحميل السيل وحمل ذلك القائل تميتهم فيه على الحقيقة وجعل المصدر تاكيدا لدفع توهم المجاز كما قيل في قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما وذكر أن فائدة بقائهم في النار بعد امانتهم إلى حيث شاء الله تعالى حرمانهم من الجنة تلك المدة وذلك منضم إلى عذابهم باحراق النار إياهم .
وقال بعضهم إن تميتهم مجاز والمراد انها تجعل حالهم قريبة من حال الموتى بأن لا يكون لهم شعور تام بالعذاب ولا يسلم أن ذكر المصدر ينافي التجوز فيجوز أن يقال قتلت زيدا بالعصا قتلا والمراد ضربته ضربا شديدا ولا يصح أن يقال : المصدر لبيان النوع أي نميتهم نوعا من الاماتة لأن الاماتة لا انواع لها بل هي نوع واحد وهو ازهاق الروح ولهذا قيل : ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد واستدل المجسمة بقول سبحانه إنه من يأت ربه على ثبوت مكان له تعالى شأنه وأجيب بأن المراد من إتيانه تعالى إتيان موضع وعده D أو نحو ذلك ولقد أوحينا إلى موسى حكاية إجمالية لما انتهى اليه أمر فرعون وقومه وقد طوى في البين ذكر ما جرى عليهم بعد أن غلبت السحرة من الآيات المفصلة الظاهرة على يد موسى عليه السلام في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في سورة الأعراف وكان فرعون كلما جاءت آية وعد أن يرسل بني اسرائيل عند انكشاف العذاب حتى إذا انكشف نكث فلما كملت الآيات أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام ان اسر بعبادى وتصدير الجملة بالقسم لا براز كمال العناية بمضمونها .
وان إما مفسرة لما في الوحي من معنى القول وإما مصدرية حذف عنها الجار والتعبير عن بني اسرائيل