وعلى معنى من على ما يفهم من ظاهر كلام الشريف فى أول شرح المفتاح وتسمى إضافة بيانية ويحمل فيما وجدت فيه المضاف اليه ولا يشترط أن يكون بين المتضايفين عموم وخصوص من وجه وبعضهم شرط ذلك .
وقوله تعالى شأنه ولا يفلح الساحر أي هذا الجنس حيث اتى .
69 .
- حيث كان وأين أقبل فحيث ظرف مكان أريد به التعميم من تمام التعليل ولم يتعرض لشأن العصا وكونها معجزة الهية مع ما فى ذلك من تقوية التعليل للايذان بظهور أمرها وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا اخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ : ولا يفلح الساحر حيث اتى قال لا يؤمن حيث وجد وقرأت فرقة اين اتى والفاء فى قوله تعالى فالقى السحرة سجدا فضيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح أي فزال الخوف والقى ما فى يمينه وصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فالقى السحرة على وجوههم سجدا لله تعالى تائبين مؤمنين به D وبرسالة موسى عليه السلام .
روى أن رئيسهم قال : كنا نغلب الناس وكانت الالآت تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقينا فاستدل بتغير احوال الاجسام على الصانع القدير العليم وبظهور ذلك على يد موسى عليه السلام على صحة رسالته وكان هاتيك الحبال والعصى صارت هباء منبثا وانعدامها بالكلية ممكن عندنا وفى التعبير بالقى دون فسجد اشارة إلى أنهم شاهدوا ما ازعجهم فلم يتمالكوا حتى وقعوا على وجوههم ساجدين وفيه ايقاظ السامع لالطاف الله تعالى فى نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الأيمان والسداد مع ما فيه من المشاكلة والتناسب والمراد أنهم اسرعوا إلى السجود قيل : أنهم لم يرفعوا رؤسهم من السجود حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمه أنهم لما خروا سجدا اراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم في الجنة واستبعد ذلك القاضي بأنه كالالجاء إلى الأيمان وانه ينافي التكليف وأجيب بأنه حين كان الأيمان مقدما على هذا الكشف فلا منافاة ولا الجاء وفي ارشاد العقل السليم أنه لا ينافيه قولهم : إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا الخ لأن كون تلك المنازل منازلهم باعتبار صدور هذا القول عنهم .
قالوا استئناف كما مر غير مرة إمنا برب هرون وموسى .
70 .
- تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدم فيه موسى عليه السلام لأنه اشرف من هرون والدعوة والرسالة إنما هي له اولا وبالذات وظهور المعجزة على يده عليع السلام لرعاية الفواصل وجوز أن يكون كلامهم بهذا الترتيب وقدموا هرون عليه السلام بأنه اكبر سنا وقول السيد في شرح المفتاح : إن موسى اكبر من هرون عليهما السلام سهو وأما للمبالغة في الأحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربى موسى عليه السلام فلو قدموا موسى فربما توهم اللعين وقومه من أول الأمر أن مرادهم فرعون وتقدمه في سورة الأعراف تقديم في الحكاية لتلك النكته .
وجوز أبو حيان أن يكون ما هنا قول طائفة منهم وما هناك قول اخرى وراعى كل نكته فيما فعل لكنه لما اشترك القول في المعنى صح نسبة كل منهما إلى الجميع واختيار هذا القول هنا لأنه أوفق بآيات هذه السورة