وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلا وفرعون وأهل الغيرة بالله تعالى يقولون : لا فرق فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى فيه إشارة إلى تعليم كيفية الأرشاد وقال النهر جورى : أن الأمر بذلك لأنه احسن إلى موسى عليه السلام في ابتداء الأمر ولم يكافئه منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى إشارة إلى الهياكل واقفاص بلابل الأرواح وإلا فالأرواح أنفسها من عالم الملكوت وقد أشرقت على هذه الأشباح وأشرقت الأرض بنور ربها والله تعالى أعلم .
وقد تأول بعض أهل التأويل هذه القصة والآيات على ما فى الأنفس وهو مشرب قد تركناه إلا قليلا والله تعالى الهادى إلى سواء السبيل ولقد أريناه حكاية أخرى إجمالية لما جرى بين موسى عليه السلام وفرعون عليه اللعنة وتصديرها بالقسم لابراز كمال العناية بمضمونها والأراءة من الرؤية البصرية المتعدية إلى مفعول واحد وقد تعدت إلى ثان بالهمزة أو من الرؤية القلبية بمعنى المعرفة وهى أيضا متعدية إلى مفعول واحد بنفسها وإلى آخر بالهمزة ولا يجوز أن تكون من الرؤية بمعنى العلم المتعدى إلى اثنين بنفسه والى ثالث بالهمزة لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الأعلام وهو غير جائز .
وإسناد الأراءة إلى ضمير العظمة نظرا إلى الحقيقة لا إلى موسى عليه السلام نظرا إلى الظاهر لتهويل أمر الآيات وتفخيم شأنها واظهار كمال شناعة اللعين وتمادية في الطغيان وهذا الأسناد يقوى كون ما تقدم من قوله تعالى الذى الخ من كلامه D أي بالله لقد بصرنا فرعون أو عرفناه إياتنا حين قال لموسى عليه السلام : أن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فاذا هى ثعبان مبين ونزع يده فاذا هى بيضاء للناظرين وصيغة الجمع مع كونهما اثنتين إما لأن إطلاق الجمع على الاثنين شائع على ما قيل أو باعتبار ما فى تضاعيفهما من بدائع الأمور التى كل منها آية بينة لقوم يعقلون وقد ظهر عند فرعون أمور أخر كل منها داهية دهياء فانه روى أنه عليه السلام لما ألقاها انقلبت ثعبانا أشعر فاغرافاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحه الأسفل على الأرض والاعلى على سوار القصر فتوجه نحو فرعون فهرب واحدث فانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذى ارسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصا وقد تقدم نحوه عن وهب بن منبه وروى انها انقلبت حية ارتفعت فى السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول : يا موسى مرنى بما شئت ويقول فرعون : أنشدك الخ ونزع يده من جيبه فاذا هى بيضاء للناظرين بياضا نورانيا خارجا عن حدود العادات قد غلب شاعه شعاع الشمس يتجمع عليه النظارة تعجبا من أمره ففى تضاعيف كل من الآيتين آيات جمة لكنها لما كانت غير مذكورة صريحا اكدت بقوله تعالى كلها كأنه قيل : أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها قصدإ إلى بيان أنه لم يبقى فى ذلك عذر ما والأضافة على ما قرر للعهد وأدرج بعضهم فيها حل العقدة كما أدرجه فيها فى قوله تعالى اذهب أنت وأخوك بآياتى وقيل : المراد بها آيات موسى عليه السلام التسع كما روى عن ابن عباس فيما تقدم والأضافة للعهد أيضا وفيه أن اكثرها إنما ظهر على يده عليه السلام بعد ما غلب السحرة على مهل فى نحو من عشرين سنة ولا ريب فى أن أمر السحرة مترقب بعد وعد بعضهم منها ما جعل لآهلاكهم لا لارشادهم إلى الأيمان من فلق البحر وما ظهر من بعد ملكه من الآيات الظاهرة