هذا الماضي الدال على التحقيق كالفاء الدالة على السرعة فانها للتعقيب على ما نص عليه بعض المحققين وجعل الأنزال والأخراج عبارتين عن أرادة النزول والخروج معللا باستحالة مزاولة العمل فى شأنه تعالى شأنه .
واعترض عليه بما فيه بحث ولا يضر فى ذلك كونه تعقيبا عرفيا ولم تجعل للسببية لانها معلومة من الباء .
وقال الخفاجى : لك أن تقول أن الفاء لسببية الأرادة عن الأنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما فى قوله تعالى : لنحيى به ولعل هذا اقرب انتهى .
وانت تعلم أن التعقيب أظهر وابلغ وقد ورد على هذا النمط من الالتفات للنكتة المذكورة قوله تعالى : الم ترى أن الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به الثمرات مختلفا الوانها وقوله تعالى ام من خلق السموات والأرض وانزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة وقوله سبحانه وهو الذى انزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ ازواجا أي اصنافا اطلق عليها ذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض .
من نبات بيان وصفة لازواجا وكذا قوله تعالى شتى .
53 .
- أي متفرقة جمع شتيت كمريض ومرضى والفه للتانيث وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوى فيه الواحد والجمع يعنى انها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم .
وقالوا : من نعمته عز وعلا أن ارزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله تعالى علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على اكله وقوله تعالى كلوا وارعوا انعامكم معمول قول محذوف وقع حالا من ضمير فأخرجنا أي أخرجنا اصناف النبات قائلين كلوا الخ أي معديها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة اذنين في ذلك وجوز أن يكون القول حالا من المفعول أي أخرجنا ازواجا مختلفة مقولا فيها ذلك والأول انسب وأولى ورعى كما قال الزجاج يستعمل لازما ومتعديا يقال : رعت الدابه رعيا ورعاها صاحبها رعايا إذا اسامها وسرحها واراحها ان في ذلك إشارة إلى ما ذكر من شؤنه تعالى وافعاله وما فيه من معنى البعد للايذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الكمال وقيل : لعدم ذلك المشار اليه بلفظه والتنكير في قوله سبحانه لايات للتفخيم كما وكيفا أي لايات كثيرة جليلة واضحة الدلالة على شؤن الله تعالى فى ذاته وصفاته لأولى النهى .
54 .
- جمع نهيه بضم النون سمى بها العقل لنهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمى بالعقل والحجر لعقله وحجره عن ذلك ويجئ النهى مفردا بمعنى العقل كما فى القاموس وهو ظاهر ما روى عن ابن عباس هنا فانه قال : أي لذوى العقل وفى رواية أخرى عنه أنه قال : لذوى التقى ولعله تفسير باللازم .
واجاز أبو على أن يكون مصدرا كالهدى والأكثرون على الجمع أي لذوى العقول الناهيه عن الاباطيل وتخصيص كونها ايات بهم لأن اوجه دلالتها على شؤنه تعالى يعلمها إلا العقلاء ولذا جعل نفعها عائد اليهم في الحقيقة فقال سبحانه : كلوا وارعوا دون كلوا انت والأنعام منها أي من الأرض .
خلقناكم أي فى ضمن خلق ابيكم ادم عليه السلام منها فان كل فرد من افراد البشر له حظ من خلقه عليه السلام إذ لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه عليه السلام بل كانت انموذجا منطويا على فطرة سائر افراد الجنس انطواء جمالية مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السلام منها خلقا للكل منها وقيل :