الثاني تذييل لتاكيد الجملة السابقة والمعنى لا يخطئ ربى ابتداء بأن لا يدخل شئ من الأشياء فى واسع علمه فلا يكون علمه سبحانه محيطا بالأشياء ولا يذهب عليه شئ بقاء بأن يخرج عن دائرة علمه جل شأنه بعد أن دخل بل هو D محيط بكل شئ علما ازلا وابدا وتفسير الجملتين بما ذكر مما ذهب اليه القفال ووافقه بعض المحققين ولا يخفى حسنه .
وأخرج ابن المنذر وجماعة عن مجاهد انهما بمعنى واحد وليس بذاك والفعلان قيل : منزلان منزلة اللازم وقيل : هما باقيان على تعديهما والمفعول محذوف أي لا يضل شيئا من الأشياء ولا ينساه وقيل : شيئا من احوال القرون الأولى وعن الحسن لا يضل وقت البعث ولا ينساه وكانه جعل السؤال عن البعث وخصص لاجله المفعول وقد علمت حاله وعن ابن عباس أن المعنى لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ولا يترك من وحده حتى يحازيه وكانه رضى الله تعالى عنه جعل السؤال عن حالهم من حيث السعادة والشقاوة والجواب عن ذلك على سبيل الأجمال فتدبر ولا تغفل .
وزعم بعضهم أن الجملة فى موضع الصفة لكتاب والعائد اليه محذوف أي لا يضله ربى ولا ينساه وقيل : العائد ضمير مستتر في الفعل و ربى نصب على المفعول أي لا يضل الكتاب ربى أي عنه وفى ينسى ضمير عائد اليه أيضا أي ولا ينسى الكتاب شيئا أي لا يدعه على حد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها .
والعجب كل العجب من العدول عن الظاهر إلى مثل هذه الأقوال واظهار ربى فى موقع الاضمار للتلذذ بذكره تعالى ولزيادة التقرير والأشعار بعلية الحكم فان الربوبية مما تقتضى عدم الضلال والنسيان حتما .
وقرأ الحسن وقتادة والجحدرى وحماد بن سلمة وابن محيصن وعيسى الثقفى لا يضل بضم الياء من اضل واضللت الشئ وضللته قيل بمعنى .
وفى الصحاح عن ابن السكيت يقال : اضللت بعيرى إذا ذهب منك وضللت المسجد والزاد إذا لم تعرف موضعهما وكذلك كل شئ مقيم لا يهتدى اليه وحكى نحوه عن الفراء وابن عيسى وذكر أبو البقاء فى توجيه هذه القراءة وجهين جعل ربى منصوبا على المفعوليه والمعنى لا يضل أحد ربى عن علمه وجعله فاعلا والمعنى لا يجد ربى الكتاب ضالا أي ضائعا وقرأ السلمى لا يضل ربى ولا ينسى ببناء الفعليت لما لم يسم فاعله .
الذى جعل لكم الأرض مهدا الخ يحتمل أن يكون ابتداء كلام منه D وكلام موسى عليه السلام قد تم عند قوله تعالى : ولاينسى فيكون الموصول خبر مبتدأ محذوف والجملة على ما قيل : مستانفه استئنافا بيانيا كأنه سبحانه لما حكى كلام موسى عليه السلام إلى قوله : لايضل ربى ولاينسى سئل ما اراد موسى بقوله : ربى فقال سبحانه : هو الذى جعل الخ واخيار هذا الأمام بل قال : يجب الجزم به ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام على أن يكون قد سمعه من الله D فادرجه بعينه فى كلامه ولذا قال : لكم دون لنا وهومن قبيل الأقتباس فيكون الموصول أما مرفوع المحل على أنه صفة لربى أو خبر مبتدأ محذوف كما فى الأحتمال السابق وأما منصوب على المدح واختار هذا الزمخشرى وعلى الاحتمالين يكون فى قوله تعالى : فأخرجنا التفات بلا اشتباه أو على أن موسى عليه السلام قال ذلك من عنده غير سامع له من الله D وقال : فأخرج به باسناد أخرج إلى ضمير الغيبة إلا أن الله تعالى لما حكاه اسند إلى ضمير