على أن الجملة صفة للمضاف اليه أو المضاف على شذوذ وحذف المفعول الثانى اختصارا لدلالة قرينة الحال عليه أي أعطى كل شئ خلقه تعالى ما يصلحه أو ما يحتاج اليه وجعل ذلك الزمخشرى من باب يعطى ويمنع أي كل شئ خلقه سبحانه لم يخله من عطائه وانعامه ورجح فى الكشف بأنه ابلغ واظهر وقيل : الأول احسن صناعة وموافقه المقام وهو عندى أوفق بالمعنى الأول للقراءة الأولى وفيما ذكره فى الكشف تردد .
ثم هدى .
50 .
- أي ارشد ودل سبحانه بذلك على وجوده وجوده فان من نظر في هذه المحدثات وما تظمنته من دقائق الحكمة علم أن لها صانعا واجب الوجود عظيم العطاء والجود ومحصل الآية ربنا الذي خلق كل شئ حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وجعله دليلا عليه جل جلاله وهذا الجعل وان كان متأخر بالذات عن الخلق وليس بينهما تراخ في الزمان اصلا لكنه جئ بكلمة ثم للتراخى بحسب الرتبة كما لا يخفى وجهه على المتامل وفي ارشاد العقل السليم ثم هدى إلى طريق الانتفاع والارتفاق بما اعطاه وعرفه كيف يتوصل إلى بقائه وكماله أما اختيارا كما في الحيوانات أو طبعا كما في الجمادات والقوى الطبيعية النباتية والحيوانية .
ولما كان الخلق الذى هو تركيب الأجزاء وتسوية الاجسام متقدما على الهداية التي هي عبارة عن ابداع القوى المحركة والمدركة في تلك الاجساد وسط بينهما كلمة التراخى انتهى ولا يخفى عليك أن الخلق لغة اعم مما ذكره وان القوى المحركة والمدركة داخلة فى عموم كل شئ سواء كان عموم الأفراد أو عموم الأنواع وانه لا بد من ارتكاب نوع من المجاز في هدى على تفسيره وقيل : على التفسير المروى عن ابن عباس ومن معه ثم هداه إلى الاجتماع بالفة والمناكحة وقيل غير ذلك والله تعالى در هذا الجواب ما اقصره وما اجمعه وما ابينه لمن القى الذهن ونظر بعين الانصاف وكان طالبا للحق ومن هنا قيل : كان من الظاهر أن يقول عليه السلام : ربنا رب العالمين لا لكن سلك طريق الارشاد والاسلوب الحكيم واشار إلى حدوث الموجودات باسرها واحتياجها اليه سبحانه واختلاف مراتبها هو القادر الحكيم الغنى المنعم على الاطلاق .
واستدل بالاية على أن فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان معاندا لأن جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة ومتى كانت هذه الجملة معلومة له كان عارفا به سبحانه وهذا مذهب البعض فيه عليه اللعنة واستدلوا له أيضا بقوله تعالى : لقد علمت ما انزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض وقوله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وقوله تعالى في سورة القصص : وظنوا أنهم الينا لا يرجعون فانه ليس فيه إلا انكار المعاد دون المبدا وقوله تعالى في الشعراء : وما رب العالمين إلى قوله سبحانه : ان رسولكم الذى ارسل اليكم لمجنون فانه عنى به انى اطلب منه شرح الماهيه وهو يشرح الوجود فدل على أنه معترف باصل الوجود وبان ملكه لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام إلا ترى أن موسى عليه السلام لما هرب إلى مدين قال له شعيب : ولا تخف نجوت من القوم الظالمين فكيف يعتقد أنه اله العالم وبانه كان عاقلا ضرورة أنه كان مكلفا وكل عاقل يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم ومن كان كذلك افتقر إلى مدبر فيكون قائلا بالمدبر وبانه سأل ههنا بمن طالبا للكيفية وفى الشعراء بما طالبا للماهية .
والظاهر أن السؤال بمن سابق فكان موسى عليه السلام لما أقام الدلالة على الوجود ترك المنازعة معه