وقوله تعالى : الذى أعطى كل شئ خلقه خبره وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا والموصول صفته والظاهر أنه عليه السلام اراد بضمير المتكلم نفسه واخاه عليهما السلام .
وقال بعض المحققين : اراد جميع المخلوقات تحقيقا للحق وردا عن اللعين كما يفصح عنه ما فى حيز الصلة و كل شئ مفعول أول لاعطى و خلقه مفعوله الثانى وهو مصدر بمعنى اسم المفعول والضمير المجرور لشئ والعموم المستفاد من كل يعتبر بعد ارجاعه اليه لئلا يرد الاعتراض المشهور فى مثل هذا التركيب والظاهر أنه عموم الأفراد أي أعطى كل شئ من الأشياء الأمر الذي طلبه بلسان استعداده من الصورة والشكل والمنفعة والمضرة وغير ذلك أو الأمر اللائق بما نيط به من الخواص والمنافع المطابق له كما أعطى العين الهيئة التى تطابق الابصار والاذن الشكل الذى يوافق الاستماع وكذلك الانف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه وقيل : الخلق باق على مصدريته بمعنى الايجاد أي أعطى كل شئ الايجاد الذى استعد له أو اللائق به بمعنى أنه تعالى اوجد كل شئ حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وهو كما ترى .
وحمل بعضهم العموم على عموم الأنواع دون عموم الأفراد وقيل : أن ذلك لئلا يلزم الخلف ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له والحق أن الله تعالى راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلا ورحمة لاوجوبا وهذا مما اجمع عليه أهل السنة والجماعة كما نقل صاحب المواقف وعيون الجواهر فكل شئ كامل فى مرتبته حسن فى حد ذاته فقد قال تعالى العزيز الرحيم الذى احسن كل شئ خلقه وجعل العموم فى هذا عموم الأنواع مما لايكاد يقول به أحد وقال سبحانه : ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت أي من حيث اضافته إلى الرحمن وخلقه إياه على طبق الحكمة بمقتضى الجود والرحمة والتفاوت بين الأشياء إنما هو إذا أضيف بعضها إلى بعض فالعجول عما هو ظاهر من عموم الأفراد إلى عموم الأنواع لما ذكر ناشئ من قلة التحقيق وقيل : أن سبب العدول كون أعطى حقيقة فى الماضى فلو حمل كل شئ على عموم الأفراد يلزم أن يكون جميعها قد وجد وأعطى مع أن منها بل اكثرها لم يوجد ولم يعط بعد بخلاف ما إذا حمل على عموم الأنواع فانه لامحذور فيه إذ الأنواع جميعها قد وجد ولايتجدد بعد ذلك نوع وان كان ذلك ممكنا وفيه بحث ظاهر فليفهم .
وروى عن ابن عباس وابن جبير والسدى أن المعنى أعطى كل حيوان ذكر نظيره فى الخلق والصورة انثى وكانهم جعلوا كلا للتكثير وإلا فالعموم مطلقا باطل كما لايخفى وعندى أن هذا المعنى من فروع المعنى السابق الذى ذكرناه ولعل مراد من قاله التمثيل وإلا فهو بعيد جدا ولايكاد يقوله من نسب اليه .
وقيل : خلقه هو المفعول الأول والمصدر بمعنى اسم المفعول ايضا والضمير المجرور للموصول و كل شئ هو المفعول الثانى والمعنى أعطى مخلوقاته سبحانه كل شئ يحتاجن اليه ويرتفقون به وقد المفعول الثانى للاهتمام به من حيث أن المقصود الأمتنن به ونسب هذا القول إلى الجبائى والأول اظهر لفظا ومعنى .
وقرا عبد الله واناس من اصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وابو نهيك وابن أبى اسحق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائى وابن نوح عن قتيبة وسلام خلقه على صيغة الماضى المعلوم