صاحت صياح الثعالب فانكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون فأقبل حتى انتهى إلى الباب فقرعه بعصاه وعليه جبة صوف وسراويل فلما رآه البواب عجب من جراته فتركه ولم ياذن له فقال : هل تدرى باب من انت تضرب إنما انت تضرب باب سيدك قال : انت وانا وفرعون عبيد لربى فانا ناصره فاخبر البواب الذي يليه من البوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونه سبعون حاجبا كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله تعالى حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال : ادخلوه علي فلما أتاه قال له فرعون : أعرفك قال : نعم قال : الم نربك فينا وليدا فرد اليه موسى عليه السلام الذي رد قال فرعون خذوه فبادر عليه السلام فالقى عصاه فاذا هى ثعبان مبين فحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون الفا قتل بعضهم بعضا وقام فرعون منهزما حتى دخل البيت فقال : يا موسى اجعل بيننا وبينك اجلا ننظر فيه قال موسى : لم اومر بذلك إنما أمرت بمناجزتك وان انت لم تخرج إلى دخلت عليك فأوحى الله تعالى اليه أن اجعل بينك وبينه اجلا وقل له انت اجعل ذلك فقال فرعون : اجعله إلى اربعين يوما ففعل وكان لا ياتى الخلا إلا في كل اربعين يوما مرة فاختلف ذلك اليوم اربعين مرة وخرج موسى عليه السلام من المدينة فلما مر بالاسد خضعت له باذنابها وسارت معه تشيعه ولا تهيجه ولا احدا من بنى اسرائيل واظاهر أن هرون كان معه حين الآيتان ولعله إنما لم يذكر في هذا الخبر اكتفاء بموسى عليه السلام وقيل : أنهما حين عرضا عليهما السلام على فرعون ما عرضا شاور آسية فقالت ما ينبغى لأحد أن يرد ما دعيا اليه فشاور هامان وكان لا يبت امرا دون رايه فقال له : كنت اعتقد انك ذو عقل تكون مالكا فتصير مملوكا وربا فتصير مربوبا فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى عليه السلام وظاهر هذا أن المشاورة قبل المقاولة ويحتمل أنها بعدها والأولى في امثال هذه القصص الاكتفاء بما في المنزل وعدم الالتفات إلى غيره إلا أن يوثق بصحته اولا يكون في المنزل ما يعكر عليه كالخبر السابق فان كون فرعون جعل الاجل يعكر عليه ما سياتى أن شاء الله تعالى من قول موسى عليه السلام حين طلب منه فرعون أن يجعل موعدا موعدكم يوم الزينة والظاهر عدم تعدد الحادثة والجملة استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال حين اتياه وقالا له ما قالا فقيل : قال فمن ربكما يا موسى .
49 .
- لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى انا رسولا ربك وقوله سبحانه قد جئناك باية من ربك لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل اضافه اليهما لما أن المرسل لابد أن يكون ربا للرسول وقيل : لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا : انا رسول رب العالمين كما وقع في سورة الشعراء والاقتصار ههنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود والفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولى ربهما أي إذا كنتما رسولى ربكما الذي ارسلكما فاخبرا من ربكما الذى ارسلكما وتخصيص النداء بموسى عليه السلام مع توجيه الخطاب اليهما لما ظهر له من أنه الأصل في الرسالة وهرون وزيره ويحتمل أن يكون للتعريض بأنه ربه كما قال : الم نربك فينا وليدا قيل : وهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق وقيل : لأنه قد عرف أن له عليه السلام رتة فاراد أن يسكته وهو مبنى على ما عليه كثير من المفسرين من بقاء رتة في لسانه عليه السلام في الجملة وقد تقدم الكلام في ذلك .
قال أي موسى عليه السلام واستبد بالجواب من حيث أنه خص بالسؤال ربنا مبتدأ