منه التفخيم والتهويل لقيل إذ أوحينا كما قال سبحانه فأوحى إلى عبده ما أوحى وقال تعالى : فغشيهم من اليم ما غشيهم فان تم هذا فما قيل في معناه ثانيا أولى فتدبر .
وان في قوله تعالى ان اقذفيه فى التابوت مفسرة لأن الوحى من باب القول أو مصدرية حذف عنها الباء أي بأن اقذفيه وقال ابن عطية : ان وما بعدها في تأويل مصدر بدل من ما وتقدم الكلام في وصل أن المصدرية بفعل الأمر والمراد بالقذف ههنا الوضعواما في قوله تعالى فاقذفيه في اليم فالمراد به الالقاء والطرح ويجوز أن يكون المراد به الوضع في الموضعين و اليم البحر لايكسر ولايجمع جمع سلامه وفي البحر هو اسم للبحر العذب وقيل : اسم للنيل خاصة وليس بصحيح وهذا التفصيل هنا هو المراد بقوله تعالى فاذا خفت عليه فالقيه فى اليم لاالقذف بلا تابوت فليلقه اليم بالساحل أي بشاطئه وهو الجانب الخالي عن الماء مأخوذ من سحل الحديد أي برده وقشره وهو فاعل بمعنى مفعول لأن الماء يسحله أي يقشره أو هو للنسب أي ذو سحل يعود الأمر إلى مسحول وقيل : هو من السحيل وهو من النهيق لأنه يسمع منه صوت والمراد به هنا مايقابل الوسط وهو مايلى الساحل من البحر حيث يجرى ماؤه إلى نهر فرعون .
وقيل : المراد بالساحل الجانب والطرف مطلقا والمراد من الأمر الخبر واختير للمبالغة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم قوموا فلأ صل لكم ولأخراج ذلك مخرج الأمر حسن الجواب فيما بعد وقال غير واحد : أنه لما كان القاه البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الأرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك وأخرج الجواب مخرج الأمر ففى اليم استعارة بالكناية واثبات الأمر تخييل وقيل : أن فى قوله تعالى فليلقه استعارة تصريحية تبعية والضمائر كلها لموسى عليه السلام إذ هو المحدث عنه والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وان كان هو التابوت اصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له فى ذلك وقيل : الضمير الأول لموسى عليه السلام والضمير أن الأخير للتابوت ومتى كان الضمير صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الابعد كان عوده على الأقرب راجحا كما نص عليه النحويون وبهذا رد على أبى محمد بن حزم فى دعواه عود الضمير فى قوله تعالى فانه رجس على لحم لأنه المحدث عنه لاعلى خنزير فيحل شحمه وغضروفه وعظمه وجلده عنده لذلك والحق أن عدم التفكيك فيما نحن فيه أولى وما ذكره النحويون ليس على اطلاقه كما لايخفى ياحذه عدو لى وعدو له جواب للأمر بالالقاء وتكرير العدو للمبالغة من حيث أنه يدل على أن عداوته كثيرة لاواحدة وقيل : اب الأول للواقع والثانى للمتوقع وليس من التكرير للمبالغة فى شئ لأن ذلك فرع جواز أن يقال : عدو لى وله وهو لايجوز إلا عند القائلين بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز وأجيب بأن ذلك جائز وليس فيه الجمع المذكور فان فرعون وقت الأخذ متصف بالعداوه لله تعالى وله فى الواقع أما اتصافه بعداوه الله تعالى فظاهر وأما اتصافه بعداوة موسى فمن حيث أنه يبغض كل مولود فى تلك السنة ولو قلنا بعدم الاتصاف بعداوة موسى عليه السلام إذ ذاك يجوز أن يقال ذلك أيضا ويعتبر عموم المجاز وهو الملخص عن الجمع بين الحقيقة والمجاز فيما يدعى فيه ذلك