ولقد مننا عليك استئناف مسوق لتقرير ما قبله وزيادة توطين لنفس موسى عليه السلام بالقبول ببيان أنه تعالى حيث أنعم عليه بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء وطلب منه فلان ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداع أولى واحرى وتصديره بالقسم لكمال الأعتناء بذلك أي وبالله لقد انعمنا مرة أخرى .
37 .
- أي في وقت غير هذا الوقت على أن أخرى تانيث أخر بمعنى مغايرة و مرة ظرف زمان والمراد به الوقت الممتد الذى وقع فيه ما سياتى أن شاء الله تعالى ذكره في المنن العظيمة الكثيرة وهو في الأصل اسم للمرور الواحد ثم اطلق على كل فعلة واحجة متعدية كانت أولا زمة ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد ماله أفراد متجددة فصار علما في ذلك حتى جعل معيارا لما في معناه من سائر الأشياء فقيل هذا بناء المرة ويقرب منه الكرة والتارة والدفعة وقال أبو حيان : المراد منه غير هذه المنة وليست أخرى تانيث أخر بكسر الخاء لتكون مقابلة للاولى وتوهم ذلك بعضهم فقال : سماها سبحانه أخرى وهى أولى لأنها أخرى في الذكر .
إذ أوحينا إلى امك ما يوحى .
38 .
- ظرف لمننا سواء كان بدلا من مرة ام لا وقيل : تعليل وهو خلاف الظاهر والمراد بالايحاء عند الجمهور ما كان بالهاء كما في قوله تعالى : وأوحى ربك إلى النحل وتعقب بأنه بعيد لأنه قال تعالى في سورة القصص : انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين ومثله لا يعلم بالالهام وليس بشئ لأنها قد تكون شاهدت منه عليه السلام ما يدل على نبوته وانه تعالى لا يضيعه والهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فانه نوع من الكشف إلا ترى قول عبد المطلب وقد سمى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم محمدا فقيل له : لم سميت ولدك محمدا وليس من اسماء ابائك : أنه سيحمد وفى رواية زجوت أن محمد في السماء والأرض مع أن كون ذلك داخلا فى الملهم ليس بلازم .
وأستظهر أبو حيان أنه كان يبعث ملك اليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم وهو مبنى على أن الملك يبعث إلى غير الأنبياء عليهم السلام وهو الصحيح لكن قيل : عليه أنه حينئذ ينتقص تعريف النبى بأنه من أوحى اليه ولو قيل : من أوحى اليه على وجه النبوة دار التعريف وأجيب بأنه لا يتعين ذلك ولو قيل : من أوحى اليه باحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها لم يلزم محذور وقال الجبائى : أنه كان بالاراءة منا ما وقيل : كان على لسان نبى في وقتها كما في قوله تعالى وإذ اوحيت إلى الحواريين وتعقب بأنه خلاف الظاهر فانه لم ينقل أنه كان نبى في مصر زمن فرعون قبل موسى عليه السلام .
وأجيب بأن ذلك لا يتوقف على كون النبى في مصر وقد كان شعيب عليه السلام نبيا في زمن فرعون في مدين فيمكن أن يكون اخبرها بذلك على أن كثرة انبياء بنى اسرائيل عليهم السلام مما شاع وذاع والحق أن انكار كون ذلك خلاف الظاهر مكابرة واختلف في اسم أمه عليه السلام والمشهور أنه يوحانذ وفي الاتقان هى محيانة بنت يصهر بن لاوى وقيل : بارخا وقيل : بازخت وما اشتهر من خاصية فتح الأقفال به بعد رياضة مخصوصة له مما لم نجد فيه اثرا ولعله حديث خرافة والمراد بما يوحى ما قصه الله تعالى فيما بعد من الأمر بقذفه في التابوت وقذفه في البحر أبهم اولا تهويلا له وتفخيما لشأنه ثم فسر ليكون اقر عند النفس وقيل : معناه ما ينبغى أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الأهتمام به كما يقال هنا مما يكتب وقيل : ما لا يعلم إلا بالوحى والأول أوفق بكل من المعانى السابقة المرادة بالايحاء إلا أنه قيل : عليه أنه لو كان المراد