لا ريب في اختلاف حالة في حالتى التعدد والأنفراد فان كلا منهما يصدر عنه بتاييد الأخر من اظهار الحق ما لا يكاد يصدر عنه مثله حال الأنفراد و كثيرا في الموضعين نعت لمصدر محذوف أو زمان محذوف أي ننزهك عما لايليق بك من الصفات والأفعال التي من جملتها ما يدعيه فرعون الطاغية ويقبله من فئته الباغية من الشركة في الالوهية ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال تنزيها كثيرا ووصفا كثيرا أو زمانا كثيرا من جملته زمان دعوة فرعون واوان المحاجة معه كذا في ارشاد العقل السليم .
وجوز أبو حيان كونه منصوبا على الحال أي نسبحك التسبيح في حال كثرته وكذا يقال في الأخير وليس بذاك وتقديم التسبيح على الذكر من باب تقديم التخلية على التحلية وقيل : لأن التسبيح تنزيه عما يليق ومحله القلب والذكر ثناء بما يليق ومحله اللسان والقلب مقدم على اللسان وقيل : أن المعنى كى نصلى لك كثيرا ونحمدك ونثنى عليك كثيرا بما اوليتنا من نعمتك ومننت به علينا من تحميل رسالتك ولا يخفى أنه لا يساعده المقام .
انك كنت بنا بصيرا .
35 .
- عالما باحوالنا وبان ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من اقامة مراسم الرسالة وبان هرون نعم الردء في اداء ما أمرت به والباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لمراعاة الفواصل والجملة في موضع التعليل للمعلل الأول بعد اعتبار تعليله بالعلة الأولى وروى عبد بن حميد عم الأعمش أنه سكن كاف الضمير في المواضع الثلاثة وجاء أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دعا بمثل هذا الدعاء إلا أنه أقام عليا كرم الله تعالى وجهه مفام هرون عليه السلام فقد أخرج ابن مردميه والخطيب وابن عساكر عن اسماء بنت عميس قالت رايت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بازاء ثبير وهو يقول أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم انى اسألك مما اسألك اخى موسى أن تشرح لى صدرى وان تيسر لى أمرى وان تحل عقدة من لسانى يفقه قولى واجعل لى وزيرا من اهلى عليا اخى أشدد به ازرى وأشركه في أمرى كى نسبحك كثيرا أو نذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على أمر الارشاد والدعوة إلى الحق ولا يجوز حمله على النبوة ولا يصح الاستدلال بذلك على خلاف علي كرم الله تعالى وجهه بعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بلا فصل .
ومثله فيما ذكر ما صح من قوله E له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته : اما ترضى أن تكون منى بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى كما بين في التحفة الاثنى عشرية نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل علي كرم الله تعالى وجهه مالا يخفى وينبغى أيضا أن يتأول طلبه صلى الله عليه وسلّم حل العقدة بنحو استمرار ذلك لما أنه E كان أفصح الناس لسانا قال قد اوتيت سؤلك يا موسى .
36 .
- أي قد اعطيت سؤلك ففعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول والايتاء عبارة عن تعلق ارادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له عليه السلام كان البتة وتقديره تعالى اياها حتما فكلها حاصلة له عليه السلام وان كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد كتيسير الأمور وشد الازر وباعتباره قيل : سنشد عضدك باخيك وظاهر بعض الآثار يقتضى أن شركة هرون عليه السلام في النبوة أي استنبائه كموسى عليه السلام وقعت في ذلك المقام وان لم يكن عليه السلام فيه مع اخيه فقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه قال في قوله : وأشركه في امرى نبئ هرون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام وندائه عليه السلام تشريف له بالخطاب اثر تشريف