نعم ما يخل بأمر التبليغ من رتة تؤدى إلى عدم فهم الوحى معها ونفرة السامع عن سماع ذلك مما يجل عنه الأنبياء عليهم السلام فهم كلهم فصحاء اللسان لا يفوت سامعهم شئ من كلامهم ولا ينفر عن سماعه وان تفاوتوا في مراتب تلك الفصاحة وكانه عليه السلام إنما لم يطلب اعلا مراتب فصاحة اللسان وطلاقته عند الجبائى ومن وافقه لأنه لم ير في ذلك كثير فضل وغاية ما قيل فيه أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها والفضل الكثير في فصاحة البيان بالمعنى المشهور في عرف أهل المعانى والبيان وما ورد مما يدل على ذم ذلك فليس على اطلاقه كما بين في شروح الأحاديث ثم أن المشهور تفسير اللسان بالالة الجارحة نفسها وفسره بعضهم بالقوة النطقية القائمة بالجارحة والفقه العلم بالشئ والفهم له كما في القاموس وغيره وقال الراغب : هو التوصيل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم .
والظاهر هنا الفهم أي احلل عقدة من لسانى يفهموا قولى واجعل لى وزيرا من اهلى .
29 .
- هرون اخى .
30 .
- أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل وسمى القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برايه على أن اشتقاقه من الوزر بفتحتين واصله الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا كما في قوله : شر السباع الضوارى دونه وزر والناس شرهم ما دونه وزر كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع وما ترى بشرا لم يؤذه بشر وسمى وزير الملك بذلك لأن الملك يعتصم برايه ويلتجئ اليه في أمره فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والايصال أي ملجوء اليه أو هو للنسب وقيل : اصله ازير من الازر بمعنى القوة ففعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قابت همزته واوا كقلبها في موازر وقلبت فيه لأنضمام ما قبلها ووزير بمعناه فحمل عليه وحمل النظير على النظير كثير في كلامهم إلا أنه سمع مؤازر من غير ابدال ولم يسمع ازير بدونه على أنه مع وجود الاشتقاق الواضح وهو ما تقدم لا حاجة إلى هذا الاشتقاق وادعاء القلب ونصبه على أنه مفعول ثان لاجعل قدم على الأول الذي هو قوله تعالى هرون اعتناء بشأن الوزارة لأنها المطلوبة و لى صلة للجعل أو متعلق بمحذوف وقع حالا من وزيرا وهو صفة له في الأصل و من اهلى أما صفة لوزيرا أو صلة لاجعل وقيل : مفعولاه لى وزيرا و من اهلى على ما مر من الوجهين و هرون عطف بيان للوزير بناء على ما ذهب الية الزمخشرى والرضى من أنه لا يشترط التوافق في التعريف والتنكير وقيل : هو بدل من مزيرا وتعقب بأنه يكون حينئذ هو المقصود بالنسبة مع أن وزارته هي المقصودة بالقصد الأول هنا .
وجوز كونه منصوبا بفعل مقدر في جواب من اجعل أي اجعل هرون وقيل : مفعولاه وزيرا من اهلى و لى تيبين كما في سقيا له .
واعترض بأن شرط المفعول في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدات بوزيرا واخبرت عنه بمن أهل لم يصح إذ لا مسوغ للابتداء به وأجيب بأن مراد القائل : أن من اهلى هو المفعول الأول لتأويله ببعض اهلى كأنه قيل اجعل بعض اهلى وزيرا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى