وفى مشارق اللغة للقاضى عياض مثله ونقل عن الحديث اعدت فتانا يا معاذ وقال أبو البقاء : هي بدل من ضمير المفعول بدل اشتمال وجوز أن يكون النصب على الظرفية أي سنعيدها في طريقتها الأولى .
وتعقبه أبو حيان قائلا : أن سيرتها وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى اليه الفعل على طريقة الظرفية إلا بواسطة في ولا يجوز الحذف إلا في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب وحاصله أن شرط الانتصاب على الظرفية هنا وهو الابهام مفقود وفي شرح التسهيل عن نحاة المغرب انهم قسموا المبهم إلى أقسام منها المشتق من الفعل كالمذهب والمصدر الموضوع للظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره فالنصب على الظرفية فيما ذكر غير شاذ ولاضرورة وجوز الزمخشرى واستحسنه أن يكون سنعيدها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشاناها اولا و سيرتها منصوبا على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر أي تسير سيرتها الأولى أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكا عليها وتهش بها على غنمك ولك فيها الماآرب التي عرفتها انتهى .
والظاهر أنه جعل الجملة من الفعل المقدر وفاعله حالا ويجوز أن يكون استئنافا ولا يخفى عليك أن ما ذكره وان حسن معنى إلا أنه خلاف المتبادر هذا والآية ظاهرة في جواز انقلاب الشئ عن حقيقته كانقلاب النحاس إلى الذهب وبه قال جمع ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكوينى إلى ذلك وتخصيص الارادة له وقيل : لا يجوز لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس مثلا ذهبا على ماهو رأى بعض المحققين أو بأن يسلب عن اجزاء النحاس الوصف الذى صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذى بصير به ذهبا على ما هو رأى بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشئ في الزمن الواحد نحاسا وذهبا وانقلاب العصا حية كان باحد هذين الاعتبارين والله تعالى أعلم بايهما كان والذي اميل اليه الثاني فان في كون خلق البدل انقلابا خفاء كما لا يخفى .
وقوله تعالى : واضمم يدك إلى جناحك أمر له عليه السلام بعد ما اخذ الحية وانقلبت عصا كما كانت والضم الجمع والجناح كما في القاموس اليد والعضد والابط والجانب ونفس الشئ ويجمع على اجنحة واجنح وفي البحر الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك ثم توسع فيه فانطلق على اليد والعضد وجنب الرجل .
وقيل : لمجتنبى العسكر جناحان على سبيل الاستعارة وسمى جناح الطائر بذلك لأنه يجنحه أي يميله عند الكيران والمراد ادخل يدك اليمنى من طوق مدرعتك واجعلها تحت ابط اليسرى أو تحت عضدها عند الابط أو تحتها عنده فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى : ادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء جعله بعضهم مجزوما في جواب الأمر المذكور على اعتبار معنى الادخال فيه وقال أبو حيان : وغيره أنه مجزوم في جواب أمر مقدر واصل الكلام لضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف ما حذف من الأول والثانى وابقى ما يدل عليه فهو ايجاز يسمى بالاحتباك ونصب بيضاء على الحال من الضمير في تخرج والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الضمير في بيضاء أو صفة لبيضاء كما قال الحوفى أو متعلق به كما قال