مما اقتضته الطبيعة البشرية فان البشر بمقتضى طبعه يخاف عند مشاهدة مثل ذلك وهو لا ينافى جلالة القدر .
وقيل : إنما خاف عليه السلام لأنه رأى امرا هائلا صدر من الله D بلا واسطة ولم يقف على حقيقة أمره وليس ذلك كنار ابراهيم عليه السلام لأنها صدرت على يد عدو الله تعالى وكانت حقيقة أمرها كنار على علم فاذلك لم يخف عليه السلام منها كما خاف موسى عليه السلام من الحية وقيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقى من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج ابيه من الجنة وإنما عطف النهى على الأمر للاشعار بأن عدم المنهى عنه مقصود لذاته لا لتحقيق المامور به فقط وقوله تعالى سنعيدها أي بعد الاخذ سيرتها أي حالتها الأولى .
21 .
- التي هي العصوية استئناف مسوق لتعليل الامتثال بالأمر والنهى فان اعادتها إلى ما كانت عليه من موجبات اخذها وعدم الخوف منها ودعوى أن فيه مع ذلك عدة كريمة باظهار معجزة اخرى على يده عليه السلام وايذانا بكونها مسخرة له عليه السلام ليكون على طمانينة من أمره ولا تعترية شائبة تزلزل عند محاجة فرعون لا تخلو عن خفاء وذكر بعضهم أن حكمة انقلابها حية وأمره باخذها ونهيه عن الخوف تانيسه فيما يعلم سبحانه أنه سيقع منه مع فرعون ولعل هذا ماخذ تلك الدعوى .
قيل : بلغ عليه السلام عند هذا الخطاب من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده في فمها وياخذ بلحييها وفي رواية الامام احمد وغيره عن وهب أنه لما امره الله تعالى باخذها ادنى طرف المدرعة على يده وكانت عليه مدرعة من الصوف قد خلها بخلال من عيدان فقال له ملك : ارايت يا موسى لو اذن الله تعالى بما تحاذر اكانت المدرعة تغنى عنك شيئا قال : لا ولكنى ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الاضراس والانياب ثم قبض فاذا هي عصاه التي عهدها وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها فيه إذا توكا بين الشعبتين والرواية الأولى اوفق بمنصبه الجليل عليه السلام واخج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه عليه السلام نودى المرة الأولى يا موسى خذها فلم ياخذها ثم نودى الثانية خذها ولا تخف فلم ياخذها ثم نودى الثالثة إنك من الآمنين فاخذها وذكر مكى في تفسيره أنه قيل له في المرة الثالثة : سنعيدها سيرتها الأولى ولا يخفى أن ما ذكر بعيد عن منصب النبوة فلعل الخبر غير صحيح .
والسيرة فعلة من السير تقال للهيءة والحالة الواقعة فيه ثم جردت لمطلق الهيئة والحالة التي يكون عليها الشئ ومن ذلك استعمالها في المذهب والطريقة في قولهم مسيرة السلف وقول الشاعر : فلا تغضبن من سيرة انت سرتها فاول راض سيرة من يسيرها واختلف في توجيه نصبها في الآية فقيل : إنها منصوبة بنزع الخافض والأصل إلى سيرتها أو لسيرتها وهو كثير وإن قالوا : إنه ليس بمقيس وهذا ظاهر قول الحوفى : إنها مفعول ثان لسنعيدها على حذف الجار نحو واختار موسى قومه واليه ذهب ابن مالك وارتضاه ابن هشام وجوز الزمخشرى أن يكون اعاد منه ولا من عاده بمعنى عاد اليه ومنه قول زهير : .
فصرم حبلها إذ صرمته .
وعادك أن تلاقيها عداء .
فيتعدى إلى مفعولين والظاهر أنه غير التوجيه الأول لاعتبار النقل فيه والخافض يحذف من اعاد من غير نظر إلى ثلاثيه وتعدى عاد بنفسه مما صح به النقل فقد نقل الطيبى عن الاصمعى أن عادك في البيت متعد بمعنى صرفك وكذا نقل الفاضل اليمنى وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبالى وعلى وفي اللام