وابو عمرو بفتحها على تقدير حرف الجر أي بانى والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء وغيره متعلق بنودى والنداء قد يوصل بحرف الجر أنشد اب على : ناديت باسم ربيعة بن مكرم أن المنوه باسمه الموثوق ولا يخفى على ذى ذوق سليم حال التركيب على هذا التخريج وانه إنما يحلو لو لم يكن المنادى فاصلا .
وقيل : على تقدير حرف التعليل وتعلقه بفعل الأمر بعد وهو كما ترى واختير أن الكلام على تقدير العلم أي أعلم انى الخ وتكرير ضمير المتكلم لتاكيد الدلالة وتحقيق المعرفة واماطة الشبهة واستظهر أن علمه عليه السلام بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه وقيل : بالاستدلال بما شاهد قبل النداء من الخارق وقيل : بما حصل له من ذلك بعد النداء فقد روى أنه عليه السلام لما نودى يا موسى قال عليه السلام : من المتكلمفقال : انا ربك فوسوس اليه ابليس اللعين لعلك تسمع كلام شيطان فقال عليه السلام : انا عرفت أنه كلام الله تعالى بانى اسمعه من جميع الجهات بجميع الاعضاء والخارق فيه أمران سماعه من جميع الجهات وكون ذلك بجميع الاعضاء التي من شأنها السماع والتي لم يكن من شأنها وقيل : الخارق فيه أمر واحد وهو السماع بجميع الاعضاء وهو المراد بالسماع من جميع الجهات واياما كان فلا يخفى صحة الاستدلال بذلك على المطلوب إلا أن في صحة الخبر خفاء ولم ار له سندا يعول عليه وحضور الشيطان ووسوسته لموسى عليه السلام في ذلك الوادي المقدس والحضرة الجليلة في غاية البعد والمعتزلة اوجبوا أن يكون العلم بالاستدلال بالخرق ولم يجوزوا أن يكون بالضرورة قالوا لأنه لو حصل العلم الضرور بكون هذاالنداء كلام الله تعالى لحصل العلم الضرورى بوجود الصانع القادر العالم لاستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات معلومة بالاستدلال ولو كان وجود الصانع تعالى معلوما بالضرورة لخرج موسى عليه السلام عن كونه مكلفا لأن حصول العلم الضروري ينافى التكليف وبالاتفاق أنه عليه السلام لم يخرج عن التكليف فعلمنا أن الله تعالى عرفه ذلك بالخارق وفي تعيينه اختلاف .
وقال بعضهم : لا حاجة بنا إلى أن نعرف ذلك الخالق ما هو وأخرج احمد وغيره عن وهب عليه السلام لما اشتدا عليه الهول نودى من الشجرة فقيل : يا موسى فاجاب سريعا وما يدرى من دعائه وما كان سرعة اجابته إلا استئناسا بالانس فقال : لبيك مرارا انى لاسمع صوتك واحس حسك ولا ارى مكانك فاين انت : قال : انا فوقك ومعك وامامك وخلفك واقرب اليك من نفسك فلما سمعى هذا موسى عليه السلام علم أنه لا ينبغى ذلك إلا لربه تعالى فأيقن به فقال : كذلك أنت يا إلهى فكلامك أسمع أم رسولك قال : بل انا الذي اكلامك ولا يخفى تخريج هذا الأثر على مذهب السلف ومذهب الصوفية وانه لا يحصل الإيقان بمجرد سماع مالا ينبغى أن يكون إلا لله تعالى من الصفات إذا فتح باب الوسوسة ثم أن هذا الأثر ظاهر في أن موسى عليه السلام سمع الكلام اللفظى منه تعالى بلا واسطه ولذا اختص عليه السلام باسم الكريم وهو مذهب جماعه من أهل السنة وذلك الكلام قديم عندهم واجابوا عن استلزام اللفظ الحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضى بعض آخر بأنه إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهى اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعه واحدة وما يشاهد في الحروف الموسومة بطبع الخاتم دون القلم ويلزمة أن يؤولوا قوله تعالى : فلما اتاها نودى الخ بأن يقولوا : المراد فلما أتاها أسمع النداء أو نحو ذلك ولا فمجئ النار حادث والمرتب على الحادث حادث