في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها فلما فعل ذلك مالت نحوه كأنها تريده فاستاخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها ولم تزل تكمعه ويطمع بها ثم لم يكن شئ باوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر في أمرها فقال : هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها لتضرم في جوف شجرة فلا تحرقها ثم خمودها على قدر عظمها في اوشك من طرفة عين فلما رأى ذلك قال أن لهذه لشانا ثم وضع أمرها على أنها مامورة أو مصنوعة لا يدرى من أمرها ولا بم أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرا لا يدرى ايرجع ام يقيم فبينما هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فاذا اشد ما كان خضرة ساطعة في السماء ينظر اليها تغشى الظلام ثم لم تزل الخضرة تنور وتصفر وتبيض حتى صارت نورا ساطعا عمودا بين السماء والارض عليه مثل شعاع الشمس يكل دونه الابصار كلما نظر اليه يكاد يخطف بصره فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالارض وسمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظما فلما بلغ موسى عليه السلام الكرب واشتد عليه الهول كان ما قص الله تعالى وروى أنه عليه السلام كان كلما قرب منها تباعدت فاذا ادبر اتبعته فايقن أن هذا أمر من امور الله تعالى الخارقة للعادة ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة والقيت عليه السكينة وكان ما كان .
وقالوا : النار أربعة اصناف صنف يأكل ولا يشرب وهى نار الدنيا وصنف يشرب ولا يأكل وهى نار الشجر الاخضر وصنف يأكل ويشرب وهى نار جهنم وصنف لا يأكل ولا يشرب وهى نار موسى عليه السلام وقالوا أيضا هى اربع أنواع نوع له نور واحراق وهى نار الدنيا ونوع لا نور له ولا احراق وهى نار الأشجار ونوع له احراق بلا نور وهى نار جهنم ونوع له نور بلا احراق وهى نار موسى عليه السلام بل قال بعضهم : إنها لم تكن نارا بل هي نور من نور الرب تبارك وتعالى وروى هذا عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وذكر ذلك بلفظ النار بناء على حسبان موسى عليه السلام وليس في اخباره عليه السلام حسب حسبانه محذور كما توهم واستظهر ذلك أبو حيان واليه ذهب الماوردى .
وقال سعيد بن جبير هي النار بعينها وهى احدى حجب الله D واستدل له نما روى عن أبى موسى الاشعرى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال : حجابه النار لو كشفها لا حرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ذكر ذلك البغوى وذكر في تفسير الخازن أن الحديث أخرجه مسلم وظاهر الآية يدل على أنه عليه السلام حين اتاها نودى من غير ريث وبذلك رد بعض المعتزلة الاخبار السابقة الدالة على تخلل زمان بين المجئ والنداء وانت تعلم أن تخلل مثل ذلك الزمان مما لا يضر في مثل ما ذكر وزعم أيضا امتناع تحقق ظهور الخارق عند مجيئه النار قبل أن ينبا إلا أن يكون ذلك معجزة لغيره من الأنبياء عليهم السلام وعندنا أن ذلك من الارهاص الذي ينكره المعتزلة والظاهر أن القائم مقام فاعل نودى ضمير موسى عليه السلام وقيل : ضمير المصدر أي نودى النداء وقيل : هو قوله تعالى : يا موسى .
11 .
- الخ وكان ذلك على اعتبار تضمين النداء معنى القول وارادة هذا اللفظ من الجملة وإلا فقد قيل : أن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه في مثل هذا التركيب إلا بنحو هذا الضرب من التأويل .
وفي البحر مذهب الكوفيين معاملة النداء معاملة القول ومذهب البصريين اضمار القول في مثل هذه الآية أي نودى فقيل : يا موسى انى انا ربك ولذلك كسرت همزة أن في قراءة الجمهور وقرأ ابن كثير