ولا يخفى أن ما تقدم جار على سائر الأوجه والاقوال في الآية السابقة وسبب نزولها ولا يأباه شئ من ذلك والاستفهام تقريرى وقيل : هل بمعنى قد وقيل : الاستفهام انكارى ومعناه النفى أي ما اخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى عليه السلام ونحن الآن مخبروك بها والمعول عليه الأول والحديث الخبر ويصدق على القليل والكثير ويجمع على احاديث على غير قياس .
قال الفراء : نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث وقال الراغب : الحديث كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع أو الوحى في يقظته أو منامه ويكون مصدرا بمعنى التكلم وحمله بعضهم على هذا هنا بقرينة فقال الخ وعلق به قوله تعالى إذ رإ نارا ولم يجوز تعلقه على تقدير كونه اسما للكلام والخبر لأنه حينئذ كالجوامد لا يعمل والاظهر أنه اسم لما ذكر لأنه هو المعروف مع أن وصف القصة بالاتيان أولى من وصف التحدث والتكلم به وأمر التعلق سهل فان الظرف يكفى لتعلقه رائحة الفعل ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث والخبر والنبا يجوز اعمالها في الظروف خاصة وان لم يرد بها المعنى المصدرى لتضمن معناها الحصول والكون .
وجوز أن يكون ظرفا لمضمر مؤخر أي حين رأى نارا كان كيت وكيت وان يكون مفعولا لممضمر متقدم أي فاذكر وقت رؤيته نارا روى أن موسى عليه السلام استاذن شعيبا عليه السلام في الخروج من مدين إلى مصر لزيارة امه واخيه وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فاذن له وكان عليه السلام رجلا غيورا فخرج بأهله ولم يصحب رفقة لئلا ترى امرأته وكانت على اتان وعلى ظهرها جوالق فيها اثاث البيت ومعه غنم له واخذ عليه السلام على غير الطريق مخافة من ملوك الشام فلما وافى وادى طوى وهو بالجانب الغربى من الطور ولد له ابن في ليلة مظلمة شاتية مثلجة وكانت ليلة الجمعه وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فبينما هو كذلك إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور فقال لأهله امكثوا أي اقيموا مكانكم أمرهم عليه السلام بذلك لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع أخر فانه مما لا يخطر بالبال والخطاب قيل : للمرأة والولد والخادم وقيل : للمرأة وحدها والجمع أما لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم كما في قول من قال : .
وان شئت حرمت النساء سواكم .
وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية لأهله امكثوا بضم الهاء انى ما نست نارا أي ابصرتها ابصارا بينا لا شبهة فيه ومن ذلك انسان العين والانس خلاف الجن وقيل : إلا يناس خاص بابصار ما يؤنس به وقيل : هو بمعنى الوجدان قال الحرث بن حلزة : آنست نبأة وقد راعها القن اص يوما وقد دنا الامساء والجملة تعليل للأمر والمامور به ولما كان الايناس مقطوعا متيقنا حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم وإن لم يكن ثمت تردد أو إنكار لعلى إتيكم منها أي اجيئكم من النار بقبس بشعلة مقتبسة تكون على رأس عود ونحوه ففعل بمعنى مفعول وهو المراد بالشهاب القبس وبالجذوة في موضع أخر