مجهول والكيف غير معقول والاقرار به ايمان والجحود به كفر ومن طريق ربيعة بن عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش فقال : الأستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله تعالى ارساله وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم ومتى قالوا بنفى اللوازم بالكلية اندفع عنهم ما تقدم من الاعتراضات وحفظوا عن سائر الافات وهذه الطائفة قيل هم السلف الصال وقيل : أن السلف بعد نفى ما يتوهم من التشبيه يقولون : لا ندرى ما معنى ذلك والله تعالى أعلم بمراده واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جدا ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم العباد فيما يرجع إلى الأعتقاد بما لا يدرى معناه وأيضا قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك فقد أخرج أبو نعيم عن الطبرانى قال : حدثنا عياش ابن تميم حدثنا يحيى بن ايوب المقابرى حدثنا سام بن سالم حدثنا خاجة بن مصعب عن زيد بن اسلم عن عطاء ابن يسار عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله A يقول : أن الله تعالى يضحك من ياس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم فقلت : يأبى انت وامى يا رسول الله أو يضحك ربنا قال : نعم والذي نفسى بيده أنه ليضحك قلت : فلا يعد منا خيرا إذا ضحك فانها رضى الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت .
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا ففى صحيح البخارى قال مجاهد : استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية : استوى على العرش ارتفع وقيل : أن السلف قسمان قسم منهم بعد أن نفوا التشبيه عينوا المعنى الظاهر المعرى عن اللوازم وقسم راوا صحة تعيين ذلك وصحة تعيين معنى أخر لا يستحيل عليه تعالى كما فعل بعض الخلف فراعوا الأدب واحتاطوا في صفات الرب فقالوا : لا ندرى ما معنى ذلك أي المعنى المراد له D والله تعالى أعلم بمراده .
وذهبت طائفة من المنزهين عن التشبيه والتجسيم إلى أنه ليس المراد الظواهر مع نفى اللوازم بل المراد معنى معين هو كذا وكثيرا مايكون ذلك معنى مجازيا وقد تكون معنى حقيقيا للفظ وهؤلاء جماعة من الخلف وقد يتفق لهم تفويض المراد اليه جل وعلا أيضا وذلك إذا تعددت المعانى المجازية أو الحقيقية التي لا يتوهم منها محذور ولم يقم عندهم قرينة ترجح واحدا منها فيقولون : يحتمل اللفظ كذا وكذا والله تعالى أعلم بمراده من ذلك ومذهب الصوفية على ما ذكرة الشيخ ابراهيم الكورانى وغيره اجراء المتشابهات على ظواهرها مع نفى اللوازم والتنزيه بليس كمثله شئ كمذهب السلف الأول وقولهم بالتجلى في المظاهر على هذا النحو وكلام الشيخ الأكبر قدس سره في هذا المقام مضطرب كما يشهد بذلك ما سمعت نقله عنه اولا مع ما ذكرة في الفصل الثانى من الباب الثانى من الفتوحات فانه قال في عد الطوائف المنزهة : وطائفة من المنزهة أيضا وهى العالية وهم اصحابنا فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر واخلوها وقالوا : حصل في نفوسنا من تعظيم الله تعالى الحق جل جلاله بحيث لا نقدر أن نصل إلى معرفه ما جاءنا من عنده بدقيق فكر ونظر فاشبهوا في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم حيث لم ينظروا ولم يؤولؤا بل قالوا : ما فهمنا فقال اصحابنا بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة هؤلاء بأن قالوا : لنا أن نسلك طريقة اخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكرى ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الاديب والمراقبة والحضور والتهئ لقبول ما يرد منه تعالى حتى يكون الحق سبحانه وتعالى متولى تعليمنا بالكشف والتحقق