وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية فريا بسكون الراء وفيما نقل ابن خالويه فرأ بالهمزة يا أخت هارون استئناف لتجديد التعبير وتأكيد التوبيخ وليس المراد بهرون أخا موسى بن عمران عليهما السلام لما أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني وابن حبان وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله إلى أهل نجران فقال : أرأيت ما تقرأون يا أخت هرون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله E فقال : ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم بل هو على ما روي عن الكلبي أخ لها من أبيها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال : هو رجل صالح في بني إسرائيل وروي عنه أنه قال ذكر لنا أنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا من بني إسرائيل كلهم يسمى هرون والأخت على هذا بمعنى المشابهة وشبهوها تهكما أو لما رأوا قبل من صلاحها وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه رجل طالح فشبهوها شتما لها وقيل : المراد هرون أخو موسى عليهما السلام وأخرج ذلك ابن أبي حاتم أيضا عن السدي وعلي بن أبي طلحة وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة فوصفوها بالأخوة لكونها وصف أصلها وجوز أن يكون هرون مطلقا على نسله كهاشم وتميم والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب وهو المروي عن السدي .
ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا 92 تقرير لكون ما جاءت به فريا أو تنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش وفيه دليل على أن الفروع غالبا ما تكون زاكية إذا زكت الأصول وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك وقرأ عمر بن بجاء التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريرا ما كان أباك امرؤ سوء بجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة وحسن ذلك قليلا وجود مسوغ الابتداء فيها وهو الإضافة .
فأشارت إليه أي إلى عيسى عليه السلام أن كلموه قال شيخ الإسلام : والظاهر أنها بينت حينئذ نذرها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أمرت ففيه دلالة على أن المأمور به بيان نذرها بالإشارة لا بالعبارة والجمع بينهما مما لا عهد به قالوا منكرين لجوابها وفي بعض الآثار أنها لما أشارت إليه كلموه قالوا : استخفافها بنا أشد من زناها وحاشاها ثم قالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبيا 92 قال قتادة : المهد حجر أمه وقال عكرمة : المرباة أي المرجحة وقيل : سريره وقيل : المكان الذي يستقر عليه واستشكلت الآية بأن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه فلا يكون محلا للتعجب والإنكار .
وأجاب الزمخشري عن ذلك بوجهين الأول أن كان الإيقاع مضمون لجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة والدال عليه أن الكلام مسوق للتعجب فيكون المعنى كيف نكلم من كان بالأمس وقريبا منه هذا الوقت في المهد وغرضهم من ذلك استمرار حال الصبي به ولم يبرح بعد عنه ولو قيل : من هو في المهد لم يكن فيه تلك الوكادة من حيث السابق كالشاهد على ذلك ومن على هذا موصولة يراد بها عيسى عليه السلام الثاني أن يكون نكلم حكاية حال ماضية ومن موصوفة والمعنى كيف نكلم الموصوفين بأنهم في المهد أي ما كلمناهم إلى الآن حتى نكلم هذا وفي العدول عن الماضي إلى الحال إفادة التصوير والاستمرار وهذا كما في الكشف وجه حسن ملائم