كثير من المحققين لأن المفرد هو الدال على معنى الجنسية والقصد إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان القصد إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها حتى كأنه وقع من سامع شك في المشمول والإحاطة لأن القيد في الكلام ناظر إلى نفي ما يقابله وهذا غير مناسب للمقام وقال السكاكي : إنه ترك جمع العظم إلى الإفراد لطلب شمول الوهن العظام فردا فردا ولو جمع لم يتعين ذلك لصحة وهنت العظام عند حصول الوهم لبعض منها دون كل فرد وهو مسلك آخر مرجوح عند الكثير وتحقيق ذلك في موضعه وعن قتادة أنه عليه السلام اشتكى سقوط الأضراس ولا يخفى أن هذا يحتاج إلى خبر يدل عليه فإن انفهامه من الآية مما لا يكاد يسلم و مني متعلق بمحذوف وهو حال من العظم ولم يقل عظمي مع أنه أخضر لما في ذلك من التفصيل بعد الإجمال ولأنه أصرح في الدلالة على الجنسية المقصودة هنا وتأكيد الجملة لإبراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمونها .
وقرأ الأعمش وهن بكسر الهاء وقريء بضمها أيضا واشتعل الرأس شيبا شبه الشيب في البياض والإنارة بشواظ النار وانتشاره في الشعر ونشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتغالها ثم أخرجه مخرج الاستعارة ففي الكلام استعارتان تصريحية تبعية في اشتغل ومكنية في الشيب وانفكاكها عن التخييلية مما عليه المحققون من أهل المعاني على أنه يمكن على بعد القول بوجود التخييلية هنا أيضا وتكلف بعضهم لزعمه عدم جواز الإنفكاك وعدم ظهور وجود التخييلية إخراج ما في الآية مخرج الإستعارة التمثيلية وليس وأسند الإشتغال إلى محل الشعر ومنبته وأخرج مخرج التمييز للمبالغة وإفادة الشمول فإن إسناد معنى إلى ظرف ما اتصف به زمانيا أو مكانيا يفيد عموم معناه لكل ما فيه في عرف التخاطب فقولك : اشتغل بيته نارا يفيد احتراق جميع ما فيه دون اشتعل نار بيته .
وزعم بعضهم أن شيبا نصب على المصدرية لأن المعنى اشتعل الرأس شاب وقيل هو حال أي شائبا وكلا القولين لا يرتضيهما كامل كما لا يخفى واكتفي باللام عن الإضافة لأن تعريف العهد المقصود يفيد ما تفيده ولما كان تعريف العظم السابق للجنس كما علمت لم يكتف به وزاد قوله مني وبالجملة ما أفصح هذه الجملة وأبلغها ومنها أخذ ابن دريد قوله : واشتعل المبيض في مسوده مثل اشتعال النار في جزل النساء وعن أبي عمرو أنه أدغم السين في الشين ولم أكن بدعائك رب شقيا 4 أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل بل كلما دعوتك استجبت لي والجملة معطوفة على ما قبلها وقيل حال من ياء المتكلم إذ المعنى واشتعل رأسي وهو غريب وهذا توسل منه عليه السلام بما سلف منه تعالى من الاستجابة عند كل دعوة إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة من كبر السن وضعف الحال فإنه تعالى بعد ما عود عبده الإجابة دهرا طويلا لا يكاد يخيبه أبدا لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره وفي هذا التوسل من الإشارة إلى عظم كرم الله D ما فيه .
وقد حكى حاتما الطائي وقيل معن بن زائدة أتاه محتاج فسأله وقال : أنا الذي أحسنت إليه وقت كذا فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته وقيل المعنى ولم أكن بدعائك إياي إلى الطاعة شقيا بل