يكون مفعولا لرحمة والمراد بعبده الجنس كأنه قيل ذكر عباده رحمته زكريا وهو كما ترى ويجوز على هذا أن يكون الفاعل ضمير القرآن وقيل يجوز أن يكون الفاعل ضميره تعالى والرحمة مفعولا أولا و عبده مفعولا ثانيا ويرتكب المجاز أي جعل الله تعالى الرحمة ذاكرة عبده وقيل رحمة نصب بنزع الخافض أي ذكر برحمة وذكر الداني عن أبي يعمر أنه قرأ ذكر على الأمر والتشديد و رحمة بالنصب أي ذكر الناس رحمة أو برحمة ربك عبده زكريا .
وقرأ الكلبي ذكر فعلا ماضيا خفيفا و رحمة ربك بالنصب على المفعولية لذكر و عبده بالرفع على الفاعلية له وزكريا عليه السلام من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه آخر أنبياء بني إسرائيل وهو ابن آزر بن مسلم من ذرية يعقوب وأخرج ابن إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس أنه ابن دان وكان من أبناء الأنبياء الذين يكتبون الوحي في بيت المقدس وأخرج أحمد وأبو يعلي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا أنه عليه السلام كان نجارا .
وجاء في اسمه خمس لغات تولها المد وثانيها القصر وقريء بهما في السبع وثالثها زكري بتشديد الياء ورابعها زكري بتخفيفها وخامسها زكر كقلم وهو اسم أعجمي والنداء في الأصل رفع الصوت وظهوره وقد يقال لمجرد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وإن لم يكن صوتا على ما حققه الراغب والمراد هما إذ دعا ربه نداء أي دعاء خفيا 3 مستورا عن الناس لم يسمعه أحد منهم حيث لم يكونوا حاضريه وكان ذلك على ما قيل في جوف الليل وإنما أخفى دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص وأبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد لتوقفه على مبادي لا يليق به تعاطيها في أوان الكبر والشيخوخة وعن غائلة مواليه وعلى ما ذكرنا لا منافاة بين النداء وكونه خفيا لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت لأن الخفاء غير الخفوت ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه وقيل : هو مجاز عن عدم الرياء أي الإخلاص ولم ينافه النداء بمعنى رفع الصوت لهذا .
وفي الكشف أن الأشبه أنه كناية مع إرادة الحقيقة لأن الخفاء في نفسه مطلوب أيضا لكن المقصود بالذات الإخلاص وقيل مستورا عن الناس بالمخافتة ولا منافاة بناء على ارتكاب المجاز أو بناء على أن النداء لا يلزمه رفع الصوت ولذا قيل : .
يا من ينادي بالضمير فيسمع .
وكتم نداؤه عليه السلام كذلك لما مر آنفا أو لضعف صوته بسبب كبره كما قيل الشيخ صوته خفات وسمعه تارات وقيل : كان سنه حينئذ ستين سنة وقيل خمسا وستين وقيل سبعين وقيل خمسا وسبعين وقيل ثمانين وقيل خمسا وثمانين وقيل اثنتين وتسعين وقيل تسعا وتسعين وقيل مائة وعشرين وهو أوفق بالتعليل المذكور .
وزعم بعضهم أنه أشير إلى كون النداء خفيا ليس فيه رفع بحذف حرفه في قوله تعالى قال رب والجملة تفسير للنداء وبيان لكيفيته فلا محل لها من الإعراب إني وهن العظم مني أي ضعف وإسناد ذلك إلى العظم لما أنه عماد البدن ودعام الجسد فإذا أصابه الضعف والرخاوة تداعى ما وراءه وتساقطت قوته ففي الكلام كناية مبنية على تشبيه مضمر في النفس أو لأنه أشد أجزائه صلابة وقواما وأقلها تأثرا من العلل فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ففي الكلام كناية بلا تشبيه وأفرد على ما قاله العلامة الزمخشري وارتضاه