وأخرج ابن منده وأبو نعيم في الصحابة وغيرهما من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس وفيه نزل قوله تعالى : فمن كان يرجوا الآية ولا شك أن العمل الذي يقارن ذلك محبط .
وذكر بعضهم قد يثاب الرجل على الإعجاب إذا اطلع على عمله فقد روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال : يا رسول الله إني أعمل العمل فيطلع عليه فيعجبني فقال E لك أجران أجر السر وأجر العلانية وهذا محمول على ما إذا كان ظهور عمله لأحد باعثا على عمل مثله والاقتداء به فيه ونحو ذلك ولم يكن إعجابه بعمله ولا بظهوره بما يترتب عليه من الخير ومثله دفع سوء الظن ولذا قيل ينبغي لمن يقتدى به أن يظهر أعماله الحسنة والظاهر أن النبي علم حال كل من هذا الرجل وجندب بن زهير فأجاب كلا على حسب حاله وما ألطف جوابه E لجندب كما لا يخفى على الفطن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : أنزلت الآية في المشركين الذين عبدوا مع الله تعالى إلها غيره وليست في المؤمنين وهو ظاهر في أنه حمل الشرك على الجلي وأنت تعلم أنه لا يظهر حينئذ وجه تقديم الأمر بالعمل الصالح على النهي عن الشرك المذكور إلا بتكلف فلعل العموم أولى وإن كان الشرك أكثر شيوعا في الشرك الجلي .
ويدخل في العموم قراءة القرآن للموتى بالإجرة فلا ثواب فيها للميت ولا للقاريء أصلا وقد عمت البلوى بذلك والناس عنه غافلون وإذا نبهوا لا ينتبهون فإنا لله وإنا إليه راجعون وقد بالغ في العموم من جعل الاستعانة في الطاعات كالوضوء شركا منهيا عنه فقد قال الراغب في المحاضرات : إن علي بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنهما كان عند المأمون فلما حضر وقت الصلاة رأى الخدم يأتونه بالماء والطست فقال الرضا رضي الله تعالى عنه : لو توليت هذا بنفسك فإن الله تعالى يقول : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ولعل المراد بالنهي هذا مطلق طلب الترك ليعم الحرام والمكروه والظاهر أن الفاء للتفريع على قصر الوحدانية عليه تعالى ووجه ذلك على أن كون الإله الحق واحدا يقتضي أن يكون في غاية العظمة والكمال واقتضاء ذلك عمل الطامع في كرامته عملا صالحا وعدم الإشراك بعبادته مما لا شبهة فيه كذا قيل وقيل الأمر بالعمل الصالح متفرع على كونه تعالى إلها والنهي عن الشرك متفرع على كون الإله واحدا وجعل هذا وجها لتقديم الأمر على النهي على ما روي عن ابن عباس وهو كما ترى وقيل : التفريع على مجموع ما تقدم فليفهم ووضع الظاهر موضع الضمير في الموضعين مع التعرض لعنوان الربوبية لزيادة التقرير وللإشعار بعلية العنوان للأمر والنهي ووجوب الإمتثال فعلا وتركا .
وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي ولا تشرك بالتاء الفوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ويكون قوله تعالى : بربه التفاتا أيضا من الخطاب إلى الغيبة هذا وعن معاوية بن أبي سفيان أن هذه الآية فمن كان يرجو إلخ آخر آية نزلت وفيه كلام الحق خلافه والله تعالى أعلم .
من باب الإشارة في الآيات : قيل ذو القرنين إشارة إلى القلب وقيل : إلى الشيخ الكامل ويأجوج ومأجوج إشارة إلى الدواعي والهواجس الوهمية والوساوس والنوازع الخيالية وقيل : إشارة إلى القوى