فقال : منهم أهل حروراء يعني الخوارج واستشكل بأن قوله تعالى أولئك الذين كفروا إلخ يأباه لأنهم لا ينكرون البعث وهم غير كفرة وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون كرم الله تعالى وجهه معتقدا لكفرهم واستحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية والمذكور في مجمع البيان أن العياشي روى بسنده أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه عن أهل هذه الآية فقال : أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد وهذا يؤيد الجواب الأول وأخبر أن المراد ما يعمم سائر الكفرة ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنه جواب للسؤال كأنه قيل من هم فقيل الذين الخ وجوز أن يكون في محل جر عطف بيان على الأخسرين وجوز أن يكون نعتا أو بدلا وأن يكون منصوبا على الذم على أن الجواب ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه أولئك الذين إلخ .
وتعقب بأنه يأبى ذلك أن صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال وضلال السعي كما يستدعيه مقام الجواب والتفريع الأول وإن دل على هبوطها لكنه ساكت عن أنباء بما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران مع الوثوق بترتب الربح واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريع الثاني مما يقطع ذلك الاحتمال رأسا إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة والجواب على ذلك لا يتم إلا بتكلف فتأمل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا 401 الاحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي أي يعتقدون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها والجملة حال من فاعل ضل أي ضل سعيهم المذكور والحال أنهم يحسنون في ذلك وينتفعون بآثاره أو من المضاف إليه في سعيهم لكونه في محل الرفع أي بطل سعيهم والحال أنهم إلخ والفرق بين الوجهين أن المقارن لحال حسبانهم المذكور في الأول ضلال سعيهم وفي الثاني نفس سعيهم قيل والأول أدخل في بيان خطئهم ولا يخفى ما بين يحسبون ويحسنون من تجنيس التصحيف ومثل ذلك قول البحتري : ولم يكن المغتر بالله إذ سرى ليعجز والمعتز بالله طالبه أولئك كلام مستأنف من جنابه تعالى مسوق لتكميل تعريف الأخسرين وتبيين خسرانهم وضلال سعيهم وتعيينهم بحيث ينطبق التعريف على المخاطبين غير داخل تحت الأمر كما قيل أي أولئك المنعوتون بما ذكر من ضلال السعي والحسبان المذكور الذين كفروا بآيات ربهم بدلائله سبحانه الداعية إلى التوحيد الشاملة للسمعية والعقلية وقيل : بالقرآن والأول أولى والتعرض لعنوان الربوبية لزيادة تقبيح حالهم في الكفر المكذكور ولقائه هو حقيقة في مقابلة الشيء ومصادفته وليس بمراد والأكثرون على أنه كناية عن البعث والحشر وما يتبع ذلك من أمور الآخرة أي لم يؤمنوا بذلك على ما هو عليه وقيل : الكلام على حذف مضاف أي لقاء عذابه تعالى وليس بذاك فحبطت بكسر الباء وقرأ ابن عباس وأبو السمال بفتحها والفاء للتفريع أي فحبطت لذلك أعمالهم المعهودة حبوطا كليا فلا نقيم لهم أي لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال يوم القيامة وزنا 501 أي فنزدري بهم ونحتقرهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا لأن مدار الاعتبار