بعضهم على بعض فينادي يا معشر المسلمين ألا أبشروا إن الله D قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مداينهم وحصونهم فيسرحون مواشيهم فما يكون لها مرعى إلا لحومهم فتشكر أحسن ما شكرت عن شيء ويهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون فيها موضع شبر إلا ملاه زهمهم ونتنهم فيستغيثون بالله تعالى فيبعث الله سبحانه ريحا يمانية غبراء فتصير على الناس غما ودخانا يقع عليهم الزكمة ويكشف ما بهم بعد ثلاثة أيام وقد قذفت الأرض جيفهم في البحر وفي رواية فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله D فيرسل طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله تعالى وفي رواية فترميهم في البحر وفي أخرى في النار ولا منافاة كما يظهر بأدنى تأمل ثم يرسل الله D مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض : انبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الأبل لتكفي الفئام من الناس ويوقد المسلمون من قسى يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين ولعل الله تعالى يحفظ ذلك في الأودية ومواضع السيول زيادة في سرور المسلمين أو يحفظها حيث هلكوا ولا يلقيها معهم حيث شاء ولا يعجز الله شيء والحديث يدل على كثرتهم جدا ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود مرفوعا أن يأجوج ومأجوج أقل ما يترك أحدهم من صلبه ألفا من الذرية وحمله بعضهم على طول العمر .
وفي البحر أنه قد اختلف في عددهم وصفاتهم ولم يصح في ذلك شيء وأعجب ما روي في ذلك قول مكحول الأرض مسيرة مائة عام ثمانون منها يأجوج ومأجوج وهي أمتان كل أمة أربعمائة ألف لا تشبه أمة الأخرى وهو قول باطل ومثله ما روي عن أبي الشيخ عن أبي أمامة الدنيا سبعة أقاليم فليأجوج ومأجوج ستة وللباقي أقليم واحد وهو كلام من لا يعرف الأرض ولا الأقاليم نعم أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق البكالي عن ابن عمر أن الله تعالى جزأ الإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس إلا أني لم أقف على تصحيحه لغير الحاكم وحكم تصحيحه مشهور ويعلم مما تقدم ومما سيأتي إن شاء الله تعالى بطلان ما يزعمه بعض الناس من أنهم التاتار الذين أكثروا الفساد في البلاد وقتلوا الأخيار والأشرار ولعمري أن ذلك الزعم من الضلالة بمكان وإن كان بين يأجوج ومأجوج وأولئك الكفرة مشابهة تامة لا تخفى على الواقفين على أخبار ما يكون وما كان إبطال ما يزعمه بعض الناس من أنهم التاتار ونفخ في الصور الظاهر أن المراد النفخة الثانية لأنه المناسب لما بعد ولعل عدم التعرض لذكر النفخة الأولى لأنها داهية عامة ليس فيها حالة مختصة بالكفار وقيل : لئلا يقع الفصل بين ما يقع في النشأة الأولى من الأحوال والأهوال وبين ما يقع منها في النشأة الآخرة .
والصور قرن جاء في الآثار من وصفه ما يدهش العقول وقد صح عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنا جبينه وأصغى سمعه ينتظر أن يومر فينفخ .
وزعم أبو عبيدة أنه جمع صورة وأيد بقراءة الحسن الصور بفتح الواو فيكون لسورة وسور ورد ذلك أظهر من أن يخفى ولذلك قال أبو الهيثم على ما نقل عنه الإمام القرطبي : من أنكر أن يكون الصور قرنا