إليها بآلات غريبة تكاد تخرج عن طور العقل وهذا مما لاشبهة فيه فليكن ما وقع لذي القرنين من ذلك القبيل وقيل : كان بناؤه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فجوة أصلا .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي بكرة الشفي أن رجلا قال : يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال : انعته لي قال كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال : قد رأيته والظاهر أن الرؤية بصرية لا منامية وهو أمر غريب إن صح الخبر وأما ما ذكره بعضهم من أن الواثق بالله العباسي أرسل سلاما الترجمان للكشف عن هذا السد فذهب جهة الشمال في قصة تطول حتى رآه ثم عاد وذكر له من أمره ما ذكر فثقات المؤرخين على تضعيفه وعندي أنه كذب لما فيه مما تأبى عنه الآية كما لا يخفى على الواقف عليه تفصيلا .
ولا يخفى لطف الاتيان بالتاء في استطاعوا هنا قال أي ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديار وغيرهم هذا الذي ظهر على يدي وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنه ما ذكر من المتانة وصعوبة المنال رحمة أي أثر رحمة عظيمة وعبر عنه بها للمبالغة من ربي على كافة العباد لا سيما على مجاوريه وكون السد رحمة على ظاهر وإذا جعلت الإشارة إلى التمكن فكونه رحمة عليهم باعتبار أنه سبب لذلك وربما يرجع المتقدم أيضا باحتياج المتأخر إلى هذا التأويل وإن كان الأمر فيه سهلا وفي الأخبار عنه بما ذكر إيذان على ما قيل بأنه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة بل هو إحسان إلهي محض وإن ظهر بالمباشرة وفي التعرض لوصف الربوبية تربية معنى الرحمة وقرأ ابن أبي عبلة هذه رحمة بتأنيث اسم الإشارة وخرج على أنه رعاية للخبر أو جعل المشار إليه القدرة والقوة على ذلك فإذا جاء وعد ربي أي وقت وعده تعالى فالكلام على حذف مضاف والإسناد إلى الوعد مجاز وهو لوقته حقيقة ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود وهو وقته أو وقوعه فلا حذف ولا مجاز في الإسناد بل هناك مجاز في الطرف والمراد من وقت ذلك يوم القيامة وقيل : وقت خروج يأجوج ومأجوج وتعقب بأنه لا يساعده النظم الكريم والمراد بمجيئه ما ينتظم مجيئه ومجيء مباديه من خروجهم وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام ونحو ذلك لا دنو وقوعه فقط كما قال الزمخشري وغيره فإن بعض الأمور التي ستحكى تقع بعد مجيئه حتما جعله أي السد المشار إليه مع متانته ورصانته دكاء بألف التأنيث الممدودة والموصوف مؤنث مقدر أي أرضا مستوية وقال بعضهم : الكلام على تقدير مضاف أي مثل دكاء وهي ناقة لا سنام لها ولا بد من التقدير لأن السد مذكر لا يوصف بمؤنث وقرأ غير الكوفيين دكا على أنه مصدر دككته وهو بمعنى المفعول أي مدكوكا مسوى بالأرض أو على ظاهره والوصف به للمبالغة والنصب على أنه مفعول ثان لجعل وهي بمعنى صير وزعم ابن عطية أنها بمعنى خلق وليس بشيء .
وهذا الجعل وقت مجيء الوعد بمجيء بعض مباديه وفيه بيان لعظم قدرته تعالى شأنه بعد بيان سعة رحمته D وكان علمه بهذا الجعل على ما قيل من توابع علمه بمجيء الساعة إذ من مباديها دك الجبال الشامخة الراسخة ضرورة أنه لا يتم بدونها واستفادته العلم بمجيئها ممن كان في عصره من الأنبياء عليهم السلام ويجوز أن يكون