سبحانه مكينا قادرا من الملك والمال وسائر الأسباب خير أي مما تريدون أن تبذلوه إلي من الخرج فلا حاجة بي إليه فأعينوني بقوة أي بما يتقوى به على المقصود من الآلات كزبر الحديد أو من الناس أو الأعم منهما والفاء لتفريع الأمر بالإعانة على خيرية ما مكنه الله تعالى فيه من مالهم أو على عدم قبول خرجهم أجعل جواب الأمر بينكم وبينهم تقديم إضافة الظرف إلى ضمير المخاطبين على إضافته إلى ضمير يأجوج ومأجوج ولإظهار كمال العناية بمصالحهم كما راعوه في قولهم بيننا وبينهم ردما 59 أي حاجزا حصينا وحجابا متينا وهو أكبر من السد وأوثق يقال : ثوب مردم أي فيه رقاع فوق رقاع ويقال : سحاب مردم أي متكاثف بعضه فوق بعض وذكر أن أصل معناه سد الثلمة بالحجارة ونحوها وقيل : سد الخلل مطلقا ومنه قول عنترة : .
هل غادر الشعراء من متردم .
ثم أطلق على ما ذكر وقيل : هو السد بمعنى ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : هو كأشد الحجاب وعليه يكون قد وعدهم بالإسعاف بمرامهم فوق ما يرجونه وهو اللائق بشأن الملوك ءاتوني زبر الحديد جمع زبرة كغرف في غرفة وهي القطعة العظيمة وأصل الزبر الاجتماع ومنه زبرت الكتاب جمعت حروفه وزبرة الأسد لما اجتمع على كاهله من الشعر وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن زبر الحديد فقال : قطعة وأنشد قول كعب بن مالك : تلظى عليهم حين شد حميها بزبر الحديد والحجارة شاجر وطلب إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأن المراد من الإيتاء المأمور به الإيتاء بالثمن أو مجرد لمناولة والإيصال وإن كان ما آتوه لا إعطاء ما هو لهم فهو معونة مطلوبة وعلى تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة يقال : إن إعطاء الآلة للعمل لا يلزمه تملكها ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا وينبيء عن أن المراد ليس إلا عطاء قراءة أبي بكر عن عاصم ردما ائتوني بكسر التنوين ووصل الهمزة من أتاه بكذا إذ جاء به له وعلى هذه القراءة نصب زبرا بنزع الخافض أي جيئوني بزبر الحديد وتخصيص زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد ووجودها أعز .
وقرأ الحسن زبر بضم الباء كالزاي حتى إذا ساوى بين الصدفين في الكلام حذف أي فأتوه إياها فأخذ يبني شئيا فشيئا حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويا لهما في العلو فبين مفعول ساوى وفاعله ضمير ذي القرنين وقيل : الفاعل ضمير السد المفهوم من الكلام أي فأتوه إياها فأخذ يسد بها حتى إذا ساوى السد الفضاء الذي بين الصدفين ويفهم من ذلك مساواة السد في العلو للجبلين والصدف كما أشرنا إليه جانب الجبل وأصله على ما قيل : الميل ونقل في الكشف أنه لا يقال للمنفرد صدف حتى يصادفه الآخر ثم قال : فهو من الأسماء المتضايفة كالزوج وأمثاله وقال أبو عبيدة : هو كل بناء عظيم مرتفع ولا يخفى أنه ليس بالمراد هنا وزعم بعضهم أن المراد به هنا الجبل وهو خلاف ما عليه الجمهور وقرأ قتادة سوى من التسوية .
وقرأ ابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم سووى بالبناء للمجهول وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والزهري ومجاهد والحسن الصدفين بضم الصاد والدال وهي لغة حمير كما أن فتحهما في قراءة