على العارف بالمساحة وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا 09 أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن جريج قال : حدثت عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله في الآية لم نجعل لهم من دونها سترا بناء لم يبن فيها بناء قط كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابا لهم حتى تزول الشمس وأخرج جماعة عن الحسن وذكر أنه حديث سمرة أن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس تغوروا في المياه فإذا غابت خرجوا يتراعون كما تراعى البهائم وقيل : المراد لا شيء لهم يسترهم من اللباس والبناء وهم على ما قيل قوم من الزنج وقيل : من الهنود وعن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من أهل الأرض وعن بعضهم خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقالوا بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة فبلغتهم فإذا أحدهم يفرش إحدى أذنيه ويلبس الأخرى ومعي صاحب يعرف لسانهم فقالوا له جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علي ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلونا سربا لهم فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم انتهى .
وأنت تعلم أن مثل هذه الحكايات لا ينبغي أن يلتفت إليها ويعول عليها وما هي إلا أخبار عن هيان بن بيان يحكيها العجائز وأمثالهن الصغار الصبيان وعن وهب بن منبه أنه يقال لهؤلاء القوم منسك وظاهر الآية لوقوع النكرة فيها في سياق النفي يقتضي أنهم ليس لهم ما يسترهم أصلا وذلك ينافي أن يكون لهم سرب ونحوه وأجيب بأن ألفاظ العموم لا تتناول الصور النادرة فالمراد نفي الساتر المتعارف والسرب ونحوه ليس منه وأنت تعلم أن عدم التناول أحد قولين في المسئلة وقال ابن عطية : الظاهر أن نفي جعل ساتر لهم من الشمس عبارة عن قربها إليهم وتأثيرها بقدرة الله تعالى فيهم ونيلها منهم ولو كانت لهم أسراب لكان لهم ستر كثيف انتهى وحينئذ فالنكرة على عمومها وأنا أختار ذلك إلى أن تثبت صحة أحد الأخبار السابقة .
كذلك خبر مبتدأ محذوف أي أمر ذي القرنين ذلك والمشار إليه ما وصف به قبل من بلوغ المغرب والمشرق وما فعله وفائدة ذلك تعظيمه وتعظيم أمره أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أي وجدها تطلع وجدانا كوجدانها تغرب في عين حمئة أو صفة مصدر محذوف لنجعل أي لم نجعل لهم سترا جعلا كائنا كالجعل الذي لكم فيما تفضلنا به عليكم من الألبسة الفاخرة والأبنية العالية فيه أنه لا يتبادر إلى الفهم أو صفة سترا والمعنى عليه كسابقه وفيه ما فيه أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليه الشمس في الكفر والحكم أو معمول بلغ أي بلغ مغربها كما بلغ مطلعها .
وقد أحطنا بما لديه من الجنود والآلات وأسباب الملك خبرا 19 علما تعلق بظواهره وخفاياه ويفيد هذا على الأول زيادة تعظيم الأمر وأنه وراء ما وصف بكثير مما لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير وهو على الأخير تأويل لما قاسى في السير إلى أن بلغ فيكون المعنى وقد أحطنا بما لاقاه وحصل له في أثناء سيره خبرا أو تعظيم للسبب الموصل إليه في قوله تعالى فأتبع سببا حتى إذا بلغ أي أحطنا بما لديه من الأسباب الموصلة إلى هذا الموضع الشاسع مما لم تؤت غيره وهذا كما في الكشف أظهر من التهويل وعلى الثاني تتميم يفيد حسن اختياره أي أحطنا بما لديه من حسن التلقي وجودة العمل خبرا وعلى الثالث لبيان أنه كذلك في رأي العين وحقيقة لا يحيط بعلمها