لقد لقى الأقران مني نكرا ... داهية دهياء إدا إمرا ... .
النكر بداهية من صفتها كيت وكيت وجعل الأمر بعض أوصافها وأما بحسب الحقيقة فلأن خرق السفينة تسبب إلى الهلاك وهذا مباشرة على أن ذلك لم يكن سببا مفضيا وقول من قال إنه تنزل استدلالا بأن إقامة الجدار أهون من القتل ليس بشيء لأنه حكى على ترتيب الوجود لا تنزل فيه ولا ترقى وإنما يلاحظ ذلك بالنسبة إلى ما ذيل انتهى وروي القول بالابلغية عن قتادة ومما يؤيد ذلك ما حكاه القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى عليه السلام حين قال للخضر عليه السلام ما قال غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الايسر وقشر اللحم عنه وإذا مكتوب فيه كافر لا يؤمن بالله تعالى أبدا وبنى وجه تغيير النظم الجليل على أقبحية القتل فقيل إنما غير النظم إلى ما ترى لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل وأحق فكان الاعتراض جدير بأن يجعل عمدة الكلام وهو مبنى على أن الحكم في الكلام الشرطي هو الجزاء والشرط قيد له بمنزلة الحال عند أهل العربية وتحقيق ذلك في المطول وحواشيه .
وكان العطف بالفاء التعقيبية ليفيد أن القتل وقع عقيب اللقاء من غير ريث كما يشعر به الاعتراض إذ لو مضى زمان بين اللقاء والقتل أمكن نظرا للامور المعادية إطلاع الخضر فيه من حاله على ما لم يطلع عليه موسى عليه السلام فلا يعترض عليه هذا الاعتراض ولا يضر في هذا ادعاء أن الخرق أيضا كذلك لأن المقصود توجيه اختيار الفاء دون الواو أو ثم بعد توجيه اختيار أصل العطف بأن ذلك يتأتى جعل الاعتراض عمدة والحاصل أنه لما كان الاعتراض في القصة الثانية معتنى بشأنه وأهم جعل جزاء لإذا الشرطية وبعد أن تعين للجزائية لذلك لم يكن بد من جعل القتل من جملة الشرط بالعطف واختيرت الفاء من بين حروفه وليفاد التعقيب ولما لم يكن الاعتراض في القصة الأولى مثله فلي الثانية جعل مستأنفا وجعل الخرق جزاء .
وزعم التاشكندي جواز كون الاعتراضين في القصتين مستأنفين والجزاء فيهما فعل الخضر عليه السلام إلا أنه لا بد من تقدير قد في الجزاء الثاني لأن الماضي المثبت الغير المقترن بها لفظا أو تقدير الا يصلح للجزائية .
واعتبر هذا في الثانية ولم يعتبر مثله في الأول لأن القتل أقبح فهو جدير بأن يؤكد ولا كذلك الخرق .
وتعقبه بعض الفضلاء بأن الفاء الجزائية لا يجوز أن تدخل على الماضي المثبت إلا بتقدير قد لتحقق تأثير حرف الشرط فيه بأن يقلب معناه إلى الاستقبال فلا حاجة إلى الرابطة في كونه جوابا وأما بتقدير قد فتدخل الفاء لعدم تأثير حرف الشرط فيه فهو محتاج إلى الرابطة فقوله تعالى خرقها وكذلك قوله سبحانه فقتله لكونهما مستقبلين بالنسبة إلى ما قبلها يقعان جزاء بلا حاجة إلى ربط الفاء الجزائية فلا مجال في الثاني لجعل الفاء جزائية وكذا لا مجال في الأول لفرض تقدير قد لاصطلاح إدخال الفاء عليه فتدبر فإنه لا يخلو عن شيء .
وقال ميربادشاه في الرد على ذلك إن الذوق السليم يأبى عن تقدير قد لو جعل القتل جزاء لعدم اقتضاء المقام إياها كيف وقد سبق الخرق جزاء بدونها وقد علم أنه يصدر عن الخضر عليه السلام ما لا يستطيع المتشرع أن يصبر عليه وما المحتاج إلى التحقيق إلا اعتراض موسى عليه السلام ثانيا بعدما سلف منه من الكلام وكونه عليه السلام مرسلا منه تعالى للتعلم وفيه إعراض عن بيان النكتة في التحقيق وعدم التفات إليها وغفلة على ما قال بعض الفضلاء عن موضع الفاء الجزائية وتقدير قد ولعل الحق أن يقال وإن جاز