وقد جاء في حديث عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعا تفسير زكية بصغيرة وهو تفسير باللازم ومن قال كان بالغا قال وصفه عليه السلام بذلك لأنه لم يره أذنب فهو وصف ناشىء من حسن الظن واستدل على كونه بالغا بقوله تعالى بغير نفس أي بغير حق قصاص لك عليها فإن الصبي لا قصاص عليه وأجاب النووى والكرماني بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق إلا أنه خص حق القصاص بالنفي لأنه الأنسب بمقام القتل أو أن شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبي وقد نقل المحدثون كالبيهقي في كتاب المعرفة أنه كان في شرعنا كذلك قبل الهجرة .
وقال السبكي قبل أحد ثم نسخ والجار والمجرور قال أبو البقاء متعلق بقتلت كأنه قيل أي قتلت نفسا بلا حق وجوز أن يتعلق بمحذوف أي قتلا بغير نفس وأن يكون في موضع الحال أي قتلتها ظالما لها أو مظلومة وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد والزهري ونافع واليزيدي وابن مسلم وابن بكير عن يعقوب ورويس عنه أيضا وأبو عبيد وابن جبير الانطاكي وابن كثير وأبو عمرو زاكية بتخفيف الياء وألف بعد الزاي و زكيه بالتشديد من غير ألف كما قرأ زيد ابن علي والحسن والجحدري وابن عامر والكوفيون أبلغ من ذلك لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت مع كون فعيل المحول من فاعل كما قال أبو حيان يدل على المبالغة وفرق أبو عمرو بين زاكية وزكية بأن زاكية بالألف هي التي لم تذنب قط وزكية بدون الألف هي التي أذنبت ثم غفرت .
وتعقب بأنه فرق غير ظاهر لأن أصل معنى الزكاة النمو والزيادة فلذا وردت للزيادة المعنوية وأطلقت على الطهارة من الآثام ولو بحسب الخلقة والابتداء كما في قوله تعالى لأهب لك غلاما زكيا فمن أين جاءت هذه الدلالة ثم وجه ذلك بأنه يحتمل أن تكون لكون زاكية بالألف من زكى اللازم وهو يقتضي أنه ليس بفعل آخر وأنه ثابت له في نفسه وزكية بمعنى مزكاة فإن فعيلا قد يكون من غير الثلاثي كرضيع بمعنى مراضع وتطهير غيره له من الذنوب إنما يكون بالمغفرة وقد فهمه من كلام العرب فإنه إمام العربية واللغة فتكون بهذا الاعتبار زاكية بالألف أبلغ وانسب بالمقام بناء على أنه يرى أن الغلام لم يبلغ الحلم ولذا اختار القراءة بذلك وإن كان كل من القراءتين متواتر عنه صلى الله عليه وسلّم وهذا على ما قيل لا ينافى كون زكية بلا ألف أبلغ باعتبار أنه تدل على الرفع وهو أقوى من الدفع فافهم وأياما كان فوصف النفس بذلك لزيادة تفظيع ما فعل .
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي كعب أن الخضر عليه السلام لما قتل الغلام ذعر موسى عليه السلام ذعرة منكرة وقال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا74 منكرا جدا قال الإمام المنكر ما أنكرته العقول ونفرت عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس وقال الراغب المنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف ولهذه الأبلغية قال بعضهم المراد شيئا أنكر من الأول واختار الطيبي أنه دون الأمر وقال إن الذي يقتضيه النظم أنه ذكر الأغلظ ثم تنزل إلى الأهون فقتل النفس أهون من الخرق لما فيه من اهلاك جماعة وأغلظ من إقامة الجدار بلا أجرة وقال في الكشف الظاهر أبلغية النكر أما بحسب اللفظ فظاهر ألا ترى كيف فسر الشاعر أي في قوله