هو نبي ولا أقول بولاية الخضر عليه السلام دون نبوته وقائلو ذلك يلزمهم ظاهرا القول بأن ما عنده من علم الحقيقة مع كونه وليا أكثر مما عند موسى عليه السلام منه إن أثبتوا له عليه السلام شيئا من ذلك مع كونه نبيا ولكنهم لا يرون في ذلك حطا لقدر موسى عليه السلام وظاهر كلام بعضهم أنه عليه السلام لم يؤت شيئا من علم الحقيقة أصلا ومع هذا لا ينحط قدره عن قدر الخضر عليهما السلام إذ له جهات فضل أخر وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ما يقوله الذاهبون إلى ولايته عليه السلام .
ثم ما أراه أنا ولله تعالى الحمد أبعد عن القول بما نقل عن بعض الصوفية من أن الولاية مطلقا أفضل من النبوة وإن كان الولي لا يبلغ درجة النبي وهو مردود عند المحققين بلا تردد نعم قد يقع تردد في نبوة النبي وولايته أيهما أفضل فمن قائل بأن نبوته أفضل من ولايته ومن قائل بأن ولايته أفضل .
واختار هذا بعض العرفاء معللا له بأن نبوة التشريع متعلقة بمصلحة الوقت والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت وهي في النبي على غاية الكمال والمختار عندي الأول وقد ضل الكرامية في هذا المقام فزعموا أن الولي قد يبلغ درجة النبي بل أعلى ورده ظاهر والاستدلال له بما في هذه القصة بناء على القول بولاية الخضر عليه السلام ليس بشيء كما لا يخفى .
هذا ولا يخفى على من له أدنى ذوق بأساليب الكلام ما راعاه موسى عليه السلام في سوق كلامه على علو مقامه من غاية التواضع مع الخضر عليه السلام ونهاية الأدب واللطف وقد عد الإمام من ذلك أنوعا كثيرة أوصلها إلى اثنى عشر نوعا إن أردتها فارجع إلى تفسيره وسيأتي إن شاء الله D ما تدل عليه هذه الآية في سرد ما تدل عليه آيات القصة بأسرها مما ذكر في كتب الحديث وغيرها .
قال أي الخضر لموسى عليهما السلام إنك لن تستطيع معي صبرا 76 نفي لأن يصبر معه على أبلغ وجه حيث جيء بأن المفيدة للتأكيد وبلن ونفيها آكد من نفي غيرها وعدل عن لن تصبر إلى لن تستطيع المفيد لنفي الصبر بطريق برهاني لأن الاستطاعة مما يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه من نفيه ونكر صبرا في سياق النفي وذلك يفيد العموم اي لا تصبر معي أصلا شيئا من الصبر وعلل ذلك بقوله : وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا 86 إيذانا بأنه عليه السلام يتولى أمورا خفية المراد منكرة الظواهر والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة لا يتمالك أن يشمئز عند مشاهدتها وكأنه علم مع ذلك حدة موسى عليه السلام ومزيد غيرته التي أوصلته إلى أن أخذ برأس أخيه يجره ونصب خبرا على التمييز المحول عن الفاعل والأصل ما لم يحط به خبرك وهو من خبر الثلاثي من باب نصر وعلم ومعناه عرف وجوز أن يكون مصدرا وناصبه تحط لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق إطلاقا شائعا على المعرفة فكأنه قيل لم تخبره خبرا وقرأ الحسن وابن هرمز خبرا بضم الباء واستدلوا بالآية كما قال الإمام وغيره على أن الاستطاعة لا تحصل قبل الفعل قالوا : لو كانت الاستطاعة حاصلة قبل حصول الفعل لكانت الاستطاعة على الصبر حاصلة قبل حصول الصبر فيكون نفيها كذبا وهو باطل فتعين أن لا تكون قبل الفعل وأجاب الجبائي بأن المراد من هذا القول أنه يثقل عليك الصبر كما يقال في العرف إن فلانا لا يستطيع أن يرى فلانا وأن يجالسه إذا كان يثقل عليه ذلك وتعقبه الإمام بأنه عدول عن الظاهر وأيد الاستدلال بما أيد والإنصاف