علما بعلم الشريعة المسمى بعلم الظاهر إلا أن موسى عليه السلام أعلم به منه فكل منهما أعلم من صاحبه من وجه ونعت الخضر عليه السلام في الأحاديث السابقة بأنه أعلم من موسى عليه السلام ليس على معنى أنه أعلم منه من كل وجه بل على معنى أنه من بعض الوجوه وفي بعض العلوم لكن لما كان الكلام خارجا مخرج العتب والتأديب أخرج على وجه ظاهره العموم ونضير هذا آيات الوعيد على ما قيل أنها من أنها مقيدة بالمشيئة لكنها لم تذكر لمزيد الإرهاب وأفعل التفضيل وإن كان للزيادة في حقيقة الفعل إلا أن ذلك على وجه يعم الزيادة في فرد منه ويدل على ذلك صحة التقييد بقسم الخاص كما تقول زيد أعلم من عمرو في الطب وعمرو أعلم منه في الفلاحة ولو كان معناه الزيادة في مطلق العلم كان قولك زيد أعلم من عمرو مستلزما لأن لا يكون عمرو أعلم منه في شيء من العلوم فلا يصح تفضيل عمرو عليه في علم الفلاحة وإنكار صدق الأعلم المطلق مع صدق المقيد التزام لصدق المقيد بدون المطلق وقد جاء إطلاق افعل التفضيل والمراد منه التفضيل من وجه على ما ذكره الشيخ ابن الحاجب في أمالي القرآن ضمن عداد الأوجه في حل الإشكال المشهور في قوله تعالى : وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها من أن المراد إلا هي أكبر من أختها من وجه ثم قال : وقد يكون الشيئان كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه وقد أشبع الكلام في هذا المقام مولانا جلال الدين الدواني فيما كتبه على الشرح الجديد للتجريد وحققه بما لا مزيد عليه ومما يدل على أن لموسى عليه السلام علما ليس عند الخضر عليه السلام ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وةالنسائي من حديث ابن عباس مرفوعا أن الخضر عليه السلام قال يا موسى إني على علم من علم الله تعالى علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله تعالى علمك الله سبحانه لا أعلمه وأنت تعلم أنه لو لم يكن قوله تعالى لموسى عليه السلام المذكور في الأحاديث السابقة إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك على معنى أعلم في بعض العلوم بل كان على معنى أعلم في كل العلوم أشكل الجمع بينه وبين ما ذكرنا من كلام الخضر عليه السلام ثم على ما ذكرنا ينبغي أن يراد من العلم الذي ذكر الخضر أن يعلمه هو ولا يعلمه موسى عليهما السلام بعض علم الحقيقة ومن العلم الذي ذكر أنه يعلمه موسى ولا يعلمه هو عليهما السلام بعض علم الشريعة فلكل من موسى والخضر عليهما السلام علم بالشريعة والحقيقة إلا أن موسى عليه السلام أزيد بعلم الشريعة والخضر عليه السلام أزيد بعلم الحقيقة ولكن نظرا للحالة الحاضرة كما ستعلم وجهه إن شاء الله تعالى وعدم علم كل ببعض ما عند صاحبه لا يضر بمقامه وينبغي أن يحمل قول من قال كالجلال السيوطي ما جمعت الحقيقة والشريعة إلا لنبينا ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما على معنى أنها ما جمعت على الوجه الأكمل إلا له ولم يكن للأنبياء عليهم السلام على ذلك الوجه إلا أحدهما والحمل على أنهما لن يجمعا على وجه الأمر بالتبليغ إلا لنبينا فإنه E مأمور بتبليغ الحقيقة كما هو مأمور بتبليغ الشريعة لكن للمستعدين لذلك لا يخلو عن شيء ويفهم من كلام بعض الأكابر أن علم الحقيقة من علوم الولاية وحينئذ لا بد أن يكون لكل نبي حظ منه ولا يلزم التساوي في علومها .
ففي الجواهر والدرر قلت للخواص عليه الرحمة : هل يتفاضل الرسل في العلم فقال : العلم تابع للرسالة فإنه ليس عند كل رسول من العلم إلا بقدر ما تحتاج إليه أمته فقط فقلت له : هذا من حيث كونهم رسلا فهل حالهم من حيث كونهم أولياء كذلك فقال : لا قد يكون لأحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم من الرسل الذين هم أعلى منهم انتهى وأنا أرى أن ما يحصل لهم من علم الحقيقة بناء على القول بأنه من علوم الولاية أكثر مما يحصل للأولياء الذين ليسوا بأنبياء ولا تراني أفضل وليا ليس بنبي في علم الحقيقة على ولي