وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو لدنا بتخفيف النون وهي إحدى اللغات في لدن قال له موسى استئناف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فما جرى بينهما من الكلام فقيل : قال له موسى عليه السلام هل أتبعك على أن تعلمن استئذان منه عليه السلام في اتباعه له بشرط التعليم ويفهم ذلك من على فقد قال الأصوليون إن على قد تستعمل في معنى يفهم منه كون ما بعدها شرطا لما قبلها كقوله تعالى يبايعنك على أن لا يشركن أي بشرط عدم الاشراك وكونها للشرط بمنزلة الحقيقة عند الفقهاء كما في التلويح لأنها في أصل الوضع للإلزام وجزاء لازم للشرط ويلوح بهذا أيضا كلام الفناري في بدائع الأصول وهو ظاهر في أنها ليست حقيقة في الشرط وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له وقد تردد السبكي في وروده في كلام العرب والحق أنه استعمال صحيح يشهد به كتاب حقيقة كان أو مجازا ولا ينافي إنفهام الشرطية تعلق الحرف بالفعل الذي قبله كما قالوا فيما ذكرنا من الآية كما أنه لا ينافيه تعلقه بمحذوف يقع حالا كما قيل به هنا فيكون المعنى هل أتبعك باذلا تعليمك إياي مما علمت رشدا 66 أي علما ذا رشد وهو إصابة الخير وقرأ أبو عمرو والحسن والزهري وأبو بحرية وابن محيصن وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد واليزيدي رشدا بفتحتين وأكثروا السبعة بالضم والسكون وهما لغتان كالبخل والبخل ونصبه في الأصل على أنه صفة للمفعول الثاني لتعلمني ووصف به للمبالغة لكن أقيم مقامه بعد حذفه والمفعول الثاني لعلمت الضمير العائد على ما الموصولة أي من الذي علمته والفعلان مأخوذان من علم المتعدي إلى مفعول واحد وجوز أن يكون مما علمت هو المفعول الثاني لتعلمني و رشدا بدل منه وهو خلاف الظاهر وأن يكون رشدا مفعولا له لأتبعك أي هل أتبعك لأصل إصابة الخير فيتعين أن يكون المفعول الثاني لتعلمني مما علمت لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمت وأن يكون مصدرا بإضمار فعله أي أرشد رشدا والجملة استئنافية والمفعول الثاني مما علمت أيضا واستشكل طلبه عليه السلام التعليم بأنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لابد أن يكون أعلم أهل زمانه ومن هنا قال نوف وأضرابه : إن موسى هذا ليس هو ابن عمران وإن كان ظاهر إطلاقه يقتضي أن يكون إياه وأجيب بأن اللازم في الرسول أن يكون أعلم في العقائد ما يتعلق بشريعته لامطلقا ولذا قال نبينا أنتم أعلم بأمور دنياكم فلا يضر في منصبه أن يتعلم علوم غيبية وأسرارا خفية لا تعلق لها بذلك من غيره لاسيما إذا كان ذلك الغير نبيا أو رسولا أيضا كما قيل في الخضر عليه السلام ونضير ما ذكر من وجه تعلم عالم مجتهد كأبي حنيفة والشافعي رضي الله تعالى عنهما علم الجفر مثلا ممن دونه فإنه لا يخل بمقامه وإنكار ذلك مكابرا .
ولا يرد على هذا أن علم الغيب ليس علمنا ذا رشد أي إصابة خير وموسى عليه السلام كان بصدد تعلم علم يصيب به خيرا لقوله تعالى قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء وقال بعضهم : اللازم كون الرسول أعلم من أمته والخضر عليه السلام نبي لم يرسل إليه ولا هو مأمور باتباع شريعته فلا ينكر تفرده بما لم يعلمه غيره ولا يخفى أنه على هذا ليس الخضر عليه السلام من بني إسرائيل لأن الظاهر إرسال موسى عليه السلام إليهم جميعا كذا قيل ثم إن الذي أميل إليه أن لموسى عليه السلام علما بعلم الحقيقة المسمى بالعلم الباطن والعلم اللدني إلا أن الخضر أعلم به منه وللخضر عليه السلام سواء كان نبيا أو رسولا