جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب وهذا أسلوب معتاد بين الناس يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب : أرأيت ما نابني يريد بذلك تهويله وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره عن ذلك كما قيل والمفعول محذوف اعتمادا على ما يدل عليه من قوله فإني الخ وفيه تأكيد للتعجيب وتربية لاستعظام المنسي ا ه وفيه من القصور ما فيه والزمخشري جعله استخبارا فقال : إن يوشع عليه السلام لما طلب منه موسى عليه السلام الغداء ذكر ما رأى من الحوت وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل عن سبب ذلك كأنه قال : أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت فحذف ذلك ا ه وفيه إشارة إلى أن مفعول أرأيت محذوف وهو إما الجملة الاستفهامية إن كانت ما في دهاني للاستفهام وإما نفس ما إن كانت موصولة وإلى أن إذ ظرف متعلق بدهاني وهو سبب لما بعد الفاء في فإني وهي سببية ونظير ذلك قوله تعالى وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم فإن التقدير وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم فسيقولون الخ وهو قول بأن أرأيت بمعنى أخبرني وقد سمعت ما قيل عليه وفي تقديره أيضا على الاحتمال الثاني ما في حذف الموصول مع جزء الصلة بناء على أن فإني نسيت من تتمتها وعلى العلات ليس المراد من الاستخبار حقيقته بل تهويل الأمر أيضا ثم لا يخفى إن رأى إن كانت بصرية أو بمعنى عرف احتاجت إلى مفعول واحد والتقدير عند بعض المحققين أأبصرت أو أعرفت حالي إذ أوينا وفيه تقليل للحذف ولا يخفى حسنه وإن كانت علمية احتاجت إلى مفعولين وعلى هذا قال أبو حيان : يمكن أن تكون مما حذف منه المفعولان اختصارا والتقدير أرأيت أمرنا إذ أوينا ما عاقبته وإيقاع النسيان على اسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنه المأمور بايتائه قيل للتنبيه من أول الأمر على أنه ليس من قبيل نسيان زاده في المنزل وأن ما شاهده ليس من قبيل الأحوال المتعلقة بالغداء من حيث هو غداء وطعام بل من حيث هو حوت كسائر الحيتان مع زيادة وقيل للتصريح بما في فقده إدخال السرور على موسى عليه السلام مع حصول الجواب فقد تقدم رواية أنه قال له : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ثم الظاهر أن النسيان على حقيقته وهو ليس متعلقا بذات الحوت بل بذكره .
وجوز أن يكون مجازا عن الفقد فيكون متعلقا بنفس الحوت والأكثرون على الأول أي نسيت أن أذكر لك أمر الحوت ما شاهدت من عجيب أمره وما أنسانيه إلا الشيطان لعله شغله بوساوس في الأهل ومفارقة الوطن فكان ذلك سببا للنسيان بتقدير العزيز العليم وإلا فتلك الحال مما لا تنسى وقال بعضهم : إن يوشع كان قد شاهد من موسى عليه السلام المعجزات القاهرات كثيرا فلم يبق لهذه المعجزة وقع عظيم لا يؤثر معه الوسوسة فنسي وقال الإمام : إن موسى عليه السلام لما استعظم علم نفسه أزال الله تعالى عن قلب صاحبه هذا العلم الضروري تنبيها لموسى عليه السلام على أن العلم لا يحصل إلا بتعليم الله تعالى وحفظه على القلب والخاطر وأنت تعلم أنه لو جعل الله تعالى المشاهد الناسي هو موسى عليه السلام كان أتم في التنبيه وقد يقال : إنه أنسى تأديبا له بناء على ما تقدم من أن موسى عليه السلام لما قال له : لا أكلفك الخ قال له ما كلفت كثيرا حيث استسهل الأمر ولم يظهر الالتجاء فيه إلى الله تعالى بأن يقول : أخبرك إن شاء الله تعالى وفيه عتاب لموسى عليه السلام حيث اعتمد عليه في العلم لذهاب الحوت فلم يحصل له حتى نصب ثم أن هذه الوسوسة لا تضر بمقام يوشع عليه السلام وإن قلنا أنه كان نبيا وقت وقوع هذه القصة