أن القول بذلك خلاف ما ورد في الصحيح مما سمعت والآية لا تكاد تساعده وجوز أن يكون مفعولا اتخذ سبيله وفي البحر وسربا حال من السبيل وليس بذاك وقيل حال من فاعل اتخذ وهو بمعنى التصرف والجولان من قولهم فحل سارب أي مهمل يرعى حيث شاء ومنه قوله تعالى وسارب بالنهار وهو في تأويل الوصف أي اتخذ ذلك في البحر متصرفا ولا يخفى أنه نظير سابقه .
فلما جاوزوا أي ما فيه المقصد من مجمع البحرين صح أنهما انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد وارتفع النهار أحس موسى عليه السلام بالجوع فعند ذلك قال لفتيه ءاتنا غداءنا وهو الطعام الذي يؤكل أول النهار والمراد به الحوت على ما ينبيء عنه ظاهر الجواب وقيل سارا ليلتهما إلى الغد فقال ذلك .
لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا 26 أي تعبا وإعياء و هذا إشارة إلى سفرهم الذي هم ملتبسون به ولكن باعتبار بعض أجزائه فقد صح أنه قال : لم يجد موسى شيئا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به وذكر أنه يفهم من الفحوى والتخصيص بالذكر أنه لم ينصب في سائر أسفاره والحكمة في حصول الجوع والتعب له حين جاوز أن يطلب الغداء فيذكر الحوت فيرجع إلى حيث يجتمع بمراده وعن أبي بكر غالب بن عطية والدأبي عبد الحق المفسر قال : سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه : مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام ولما مشي إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم والجملة في محل التعليل للأمربإيتاء الغداء إما باعتبار أن النصب إنما يعتري بسبب الضعف الناشيء عن الجوع وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير نصبا بضمتين قال صاحب اللوامح : وهي إحدى اللغات الأربع في هذه الكلمة قال أي فتاه والاستئناف بياني كأنه قيل فما صنع الفتى حين قال له موسى عليه السلام ما قال فقيل قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة أي التجأنا إليها وأقمنا عندها وجاء في بعض الروايات الصحيحة أن موسى عليه السلام حين قال لفتاه : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال : قد قطع الله عنك النصب وعلى هذا فيحتمل أنه بعد أن قال ذلك قال أرأيت إلخ قال شيخ الإسلام : وذكروا الإواء إلى الصخرة مع أن المذكور فيما سبق بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الإواء إليه والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة انتهى .
وهذا الأخير إنما يتم على بعض الروايات من أنهما ناما عند الصخرة وذكر أن هذه الصخرة قريبة من نهر الزيت وهو نهر معين عنده كثير من شجر الزيتون و أرأيت قيل بمعنى أخبرني وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت كذلك فلا بد لها من أمرين كون الإسم المستخبر عنه معها ولزوم الجملة التي بعدها وهما مفقودان هنا ونقل هو وناظر الجيش في شرح التسهيل عن أبي الحسن الأخفش أنه يرى أن أرأيت إذا لم يرى بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما هنا مخرجة عن بابها ومضمنة المعنى أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما لا خلاف فالمعنى إما أو تنبه إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وقال شيخ الإسلام : الرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة ومراده بالاستفهام مجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى وقد