وضربنا الحديث ظهرا لبطن وآتينا من أمرنا ما اشتهينا فإن ذلك مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض ولكونه كناية عن الندم عد بعلى بقوله تعالى على ما أنفق فيها فالجار والمجرور ظرف له متعلق بيقلب كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق ومنه يعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدي بصلة لمعنى الحقيقي كما في قولهم : بنى عليها وبصلة المعنى الكنائي كما هن فيجوز بنى بها ويكون القول بأنه غلط غلط .
ويجوز أن يكون الجار والمجرور ظرفا مستقرا متعلقه خاص وهو حال من ضمير يقلب أي متحسرا على ما أنفق وهو نظرا إلى المعنى الكنائي حال مؤكدة على ما قيل لأن التحسر والندم بمعنى وقال بعضهم : إن التحسر الحزن وهو أخص من الندم فليراجع وأيا ما كان فلا تضميم في الآية كما توهم وقريء تقلب كفاه أي تتقلب ولا يخفى عليك أمر الجار والمجرور على هذا وما إما مصدرية أي على إنفاقه في عمارتها وإما موصولة أي على الذي أنفقه في عمارتها من المال ويقدر على هذا مضاف إلى الموصول من الأفعال الاختيارية إذا كان متعلق الجار يقلب مرادا منه يندم لأن الندم إنما يكون على الأفعال الاختيارية ويعلم من هذا وجه تخصيص الندم على ما أنفق بالذكر دون هلاك الجنة وقيل : لعل التخصيص لذلك ولأن ما أنفق في عمارتها كان ما يمكن صيانته عن طوارق الحدثان وقد صرفه إلى مصالحها رجاء أن يتمتع بها أكثر مما يتمتع به وكان يرى أنه لا تنالها أيدي الردى ولذلك قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا فلما ظهر له أنها مما يعتريه الهلاك ندم على ما صنع بناء على الزعم الفاسد من إنفاق ما يمكن ادخاره في مثل هذا الشيء السريع الزوال انتهى والظاهر أن إهلاكها واستئصال نباتها وأشجارها كان دفعيا بآفة سماوية ولم يكن تدريجيا بإذهاب ما به النماء وهو الماء فقد قال الخفاجي : إن الآية تدل على وقوع اتئصال نباتها وأشجارها عاجلا بآفة سماوية صريحا لقوله تعالى فأصبح بالفاء التعقيدية والتحسر إنما بكون لما وقع بغتة فتأمل وهي أي الجنة من الأعناب المحفوفة بنخل خاوية أي ساقطة وأصل الخواء كما قيل الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام يخوي خوي وخواء إذا دخل وفي القاموس خوت الدار تهدمت وخوت وخويت خيا وخويا وخواء وخواية خلت من أهلها : وأريد السقوط هنا لتعلق قوله تعالى على عروشها بذلك والعروش جمع عرش وهو هنا ما يصنع من الأعمدة لتوضع عليه الكروم وسقوط الجنة على العروش لسقوطها قبلها ولعل ذلك لأنه قد أصاب الجنة من العذاب ما جعلها صعيدا زلقا لا يثبت فيها قائم ولعل تخصيص حال الكروم بالذكر دون النخل والزرع إما لأنها العمدة وهما من متمماتها وإما لأن الذكر هلاكها على ما قيل مغن عن ذكر هلاك الباقي لأنها حيث هلكت وهي مسندة بعروشها فهلاك ما عداها بالطريق الأولى وإما لأن الإنفاق في عمارتها أكثر ثم هذه الجملة تبعد ما روي من أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأحرقتها وغار ماؤها إلا أن يراد منها مطلق الخراب وحينئذ يجوز أن يراد من هي الجنة بجميع ما اشتملت عليه ويقول عطف على يقلب وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه بتقدير وهو يقول لأن المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذا .
يا ليتني لم أشرك بربي أحدا 24 كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه إنما أتى من قبل شركه فتمنى لو لم