الولد قد تستلزم الأذلية والأكثرية قد تستلزم الأعزية كما يشاهد في عرب البادية هذا وكان الظاهر أن يتعرض في الجزاء لأمر الولد كما تعرض لأمر المال بأن يقال وعسى أن يؤتيني خيرا من ولدك ويصيبهم ببلاء فيصبحوا هلكى أو نحو ذلك وأجيب بأنه إنما لم يتعرض لذلك إشارة إلى استيلاء حب المال على قلب ذلك الكافر وأنه يكفي في نكايته وإغاظته تلف جنته وإعطاء صاحبه المؤمن خيرا منها .
وقيل : إنما لم يتعرض لذلك لما فيه من ترجي هلاك من لم يصدر منه مكالمة ومحاورة ولم ينقل عنه مقاومة ومفاخرة لمجرد إغاظة كافر حاور وكاثر وفاخر وتركه أفضل للتكامل وأكمل للفاضل والدعاء على الكفرة وذراريهم الصادر من بعض الأنبياء عليهم السلام ليس من قبيل هذا الترجي كما لا يخفى على المتأمل وحيث أرادك ترك هذا الترجي ترك ترجي الولد لنفسه تبعا له أو لكونه غير مهم له وقيل : إنه ترجاه في قوله : خيرا من جنتك لأن المراد شيئا خيرا من جنتك والنكرة قد تعم بمعونة المقام فيندرج الولد وليس بشيء .
وقيل : أراد ما هو الظاهر أي جنة خيرا من جنتك إلا أن الخيرية لا تتم من دون الولد إذ لا تكمل لذة بالمال لمن لا ولد له فترجي الجنة خير من تلك الجنة متضمن لترجي ولد خير من أولئك الولد ولم يترج هلاك ولده ليكون بقاؤه بعد هلاك جنته حملا عليه ولا يخفى أنه لا يتبادر إلى الذهن من خيرية الجنة إلا خيريتها فيما يعود إلى كونها جنة من كثرة الأشجار وزيادة الثمار وغزارة مياه الأنهار ونحو ذلك وفي قوله : ليكون الخ منع ظاهر وقيل : لم يترج الولد اكتفاءا بما عنده منهم فإن كثرة الأولاد ليس مما يرغب فيه الكاملون وفيه نظر وقيل : إنه لم يقرن ترجي إيتاء الولد مع ترجي إيتاء الجنة لأن ذلك الإيتاء المترجي في الآخرة وهي ليست محلا لإيتاء الولد لانقطاع التولد هناك ولا يخفى أن هذا بعد تسليم أنه لا يؤتى الولد لمن شاءه في الآخرة ليس بشيء وقيل : يمكن أن يكون ترجي الولد في قوله : خيرا من جنتك بناءا على أنه أراد من جنته جميع ما متع به من الدنيا وتكون الضمائر بعدها عائدة عليها بمعنى البستان على سبيل الاستخدام وهو كما ترى فتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وأخبر .
وقرأت فرقة غؤورا بضم الغين وهمزة بعدها و واو بعدهما وأحيط بثمره أهلك أمواله المعهودة من جنتيه وما فيهما وهو مأخوذ من إحاطة العدو وهي استدارته به من جميع جوانبه استعملت في الاستيلاء والغلبة ثم استعملت في كل هلاك وذكر الخفاجي أن في الكلام استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم حاط بهم عدو وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم ويحتمل أن تكون الاستعارة تبعية وبعض يجوز كونها تمثيلية تبعية انتهى وجعل ذلك من باب الكناية أظهر والعطف على مقدر كأنه قيل : فوقع بعض ما ترجى وأحيط الخ وحذف لدلالة السباق والسياق عليه واستظهر أن الإهلاك كان ليلا لقوله تعلى فأصبح يقلب كفيه ويحتمل أن تكون أصبح بمعنى صار فلا تدل على تقييد الخبر بالصباح ويجري هذان الأمران في تصبح ويصبح السابقين ومعنى تقليب الكفين على ما استظهره أبو حيان أن يبدي بطن كل منهما ثم يعوج يده حتى يبدو ظهر كل يفعل ذلك مرارا وقال غير واحد : هو أن يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ثم يعكس الأمر ويكرر ذلك وأيا ما كان فهو كناية عن الندم والتحسر وليس ذلك من قوله : قلبت الأمر ظهرا لبطن كما في قول عمرو بن ربيعة :