جعل ثبوت الإيمان في القلب بمنزلة الكتابة وهو تأويل رقيق الحاشية لطيف المعنى وإن كان خلاف الظاهر فهو مما لا بأس به لمن لم يكن غرضه منه الهرب من مذهب أهل السنة واحتج بعضهم على أنه ليس المراد ظاهر الآية بقوله سبحانه : واتبع هويه في طلب الشهوات حيث أسند اتباع الهوى إلى العبد فيدل على أنه فعله لا فعل الله تعالى ولو كان ذلك فعل الله سبحانه والاسناد مجازي لقيل فاتبع بالفاء السببية لتفرعه عليه .
وأجيب بأن فعل العبد لكونه بكسبه وقدرته وخلق الله تعالى يجوز إسناده إليه بالاعتبار الأول وإلى الله تعالى بالثاني والتنصيص على التفريع ليس بلازم فقد يترك لنكتة كالقصد إلى الاخبار به استقلالا لأنه أدخل في الذم وتفويضا إلى السامع في فهمه وقرأ عمر بن فائد وموسى الأسواري وعمرو بن عبيد أغفلنا بفتح الفاء واللام قلبه بالرفع على أنه فاعل لأغفلنا وهو على هذه القراءة من أغفله إذا وجده غافلا والمراد ظننا وحسبنا غافلين عن ذكرنا له ولصنيعه بالمؤاخذة بجعل ذكر الله تعالى له كناية عن مجازاته سبحانه واستشكل النهي عن إطاعة أولئك الغافلين في طرد أولئك المؤمنين بأنه ورد أنهم أرادوا طردهم ليؤمنوا فكان ينبغي تحصيل إيمانهم بذلك وغاية ما يلزم ترتب نفع كثير وهو إيمان أولئك الكفرة على ضرر قليل وهو سقوط حرمة أولئك البررة وفي عدم طردهم لزم ترتب ضرر عظيم وهو بقاء أولئك الكفرة على كفرهم على نفع قليل .
ومن قواعد الشرع المقررة تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى وأجيب بأنه سبحانه علم أن أولئك الكفرة لا يؤمنون إيمانا حقيقيا بل إن يؤمنوا إيمانا ظاهريا ومثله لايرتكب له إسقاط حرمة أولئك الفقراء الأبرار فلذا جاء النهي عن الإطاعة .
وقد يقال : يحتمل أن يكون الله تعالى قد علم أن طرد أولئك الفقراء السابقين إلى الإيمان المنقطعين لعبادة الرحمن وكسر قلوبهم وإسقاط حرمتهم لجلب الأغنياء وتطهير خواطرهم يوجب نفرة القلوب وإساءة الظن برسوله فربما يرتد من هو قريب عهد بإسلام ويقل الداخلون في دينه بعد ذلك E وذلك ضرر عظيم فوق ضرر بقاء شرذمة من الكفار على الكفر فلذا نهى جل وعلى عن إطاعة من أغفل قلبه واتبع هواه وكان أمره في اتباع الهوى وترك الإيمان فرطا 82 أي ضياعا وهلاكان قاله مجاهد أو متقدما على الحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم : فرس فرط أي متقدم للخيل وهو في معنى ما قاله ابن زيد مخالفا للحق وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون الفرط بمعنى التفريط والتضييع أي كان أمره وهواه الذي يجب أن يلزم ويهتم به من الدين تفريطا ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف أي كان أمره وهواه الذي هو سبيله إفراطا وإسرافا وبالإسراف فسره مقاتل والتعبير عن صناديد قريش المستدعين طرد فقراء المؤمنين بالموصول للإيذان بعلية ما فيه حيز الصلة للنهي عن الإطاعة وقل للأولئك الذين أغفلنا قلوبهم عن الذكر واتبعوا هواهم الحق من ربكم خبر مبتدأ محذوف أي هذا الذي أوحى إلى الحق و من ربكم حال مؤكدة أو خبر بعد خبر والأول أولى والظاهر أن قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شآ فليكفر من تمام القول المأمور به فالفاء