ولو قيل : فضربنا على آذانهم سنين عددا وأتى به مبينا أولا لم يكن فيه هذه الدلالة البتة فهذه عدة فوائد والأصل الأخير انتهى ويحتاج على هذا إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخضر وأظهر فقيل هو الإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار السنة القمرية فالتسع مقدار التفاوت وقد نقله بعضهم عن علي كرم الله وجهه .
واعترض على أن دلالة اللفظ على ما ذكر غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الامام لأن السنة الشمسية ثلثمائة وخمس وستون يوما وخمس ساعات وتسع وأربعون دقيقة على مقتضى الرصد الايلخاني والسنة القمرية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة فيكون التفاوت بينهما عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة ودقيقة واحدة وإذا كان هذا تفاوت سنة كان تفاوت مائة ألف يوم وسبعة وثمانين يوما وثلاثة عشرة ساعة وأربع دقائق وهي ثلاثة سنين وأربعة وعشرون يوما وإحدى عشرة ساعة وست عشرة دقيقة فيكون تفاوت ثلثمائة سنة تسع سنين وثلاثا وسبعين يوما وتسع ساعات وثمانيا وأربعين دقيقة ولذا قيل إن روايته عن علي كرم الله تعالى وجهه لم تثبت وبحث فيه الخفاجي بأن وجه الدلالة فيه ظاهر لأن المعنى لبثوا ثلثمائة سنة على حساب أهل الكتاب الذين علموا قومك السؤال عن شأنهم وتسعا زائدة على حساب قومك الذين سألوك عن ذلك والعدول عن الظاهر يشعر به ودعوى أن التفاوت تسع سنين مبنية على التقريب لأن الزائد لم يبلغ نصف سنة بل ولا فصلا من فصولها فلم يعبأ به وكون التفاوت تسعا تقريبا جار على سائر الأقوال في مقدار السنة الشمسية والسنة القمرية إذ التفاوت في سائرها لا يكاد يبلغ ربعا فضلا عن نصف وقال الطيبي في توجيه العدول : إنه يمكن أن يقال : لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين وتعقب بأن هذا يقتضي أن يكون المراد وازدادوا نوما أي قوى نومهم في تسع سنين ولا يخفى ما فيه .
وقال أيضا : يجوز أن يكون أهل الكتاب قد اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فجاء قوله تعالى : ولبثوا الخ رافعا للاختلاف مبينا للحق ويكون وازدادوا تسعا تقريرا ودفعا للاحتمال نظير الاستثناء في قوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى ولا يخلو عن حسن .
وقيل إنهم انتبهوا قليلا ثم ردوا إلى حالتهم الأولى فلذا ذكر الازدياد وهو الذي يقتضيه ما أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة المار في قوله تعالى ونقلبهم الخ وهو فيما أرى أقرب مما تقدم من حيث السنين الشمسية والقمرية وقال جمع : إن الجملة من كلام أهل الكتاب فهي مقول سيقولون السابق وما بينهما اعتراض ونسب ذلك إلى ابن عباس فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوى أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا ولبثوا في كهفهم الآية ثم قال : كم لبث القوم قالوا : ثلثمائة وتسع سنين فقال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله تعالى قل الله أعلموا بما لبثوا ولكنه سبحانه حكى مقالة القوم فقال تعالى سيقولون ثلاثة إلى قوله تعالى رجما بالغيب فأخبر أنهم لا يعلمون وقال : سيقولون لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ولعل هذا لا يصح عن الحبر رضي الله تعالى عنه فقد صح عنه القول بأن عدة