لا بطريق المالكية المجازية وقد يقال : إنهم أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الربوبية وبالجملة الثانية إلى توحيد الألوهية وهما أمران متغايران وعبدة الأوثان لا يقولون بهذا ويقولون بالأول ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله وحكى سبحانه عنهم أنهم يقولون : إنما نعبدهم ليقربون إلى الله زلفى وصحح أنهم يقولون أيضا : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وجاؤا بالجملة الأولى مع أن ظاهر القصة كونهم بصدد ما تشير إليه الجملة الثانية من توحيد الألوهية لأن الظاهر أن قومهم إنما أشركوا فيها وهم إنما دعوا لذلك الإشراك دلالة على كمال الإيمان وابتدأوا بما يشير إلى توحيد الربوبية لأنه أول مراتب التوحيد والتوحيد الذي أقرت به الأرواح في عالم الذرويون قال لها سبحانه : ألست بربكم وفي ذكر ذلك أولا وذكر الآخر بعده تدرج في المخالفة فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية بناء على أن اختصاص الربوبية بع D علة لاختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به به سبحانه وتعالى وقد ألزم جل وعلا الوثنية القائلين باختصاص الربوبية بذلك في غير موضع ولكون الجملة الأولى مشيرة إلى توحيد الألوهية قيل أن في الجملة الثانية تأكيدا لها فتأمل ولا تعجل بالاعتراض .
والجار والمجرور متعلق بحدوث وقع حالا من النكرة بعده ولو أخر لكان صفة أي لن ندعو إلها كائنال من دونه تعالى لقد قلنا إذا شطاطا 41 أي قولا ذا شططا أي بعد عن الحق مفرد أو قولا هو عين الشطط والبعد المفرط عن الحق على أنه وصف بالمصدر مبالغة ثم اقتصر على الوصف مبالغة على مبالغة وجوز أبو البقاء كون شططا مفعولا به لقلنا وفسره قتادة بالكذب وابن زيد بالخطأ والسدي بالجور والكل تفسير باللازم وأصل معناه ما أشرنا إليه لأنه من شط إذا أفرط في البعد وأنشدوا : .
شط المراد بحزوى وانتهى الأمل .
وفي الكلام قسم مقدر واللام واقعة في جوابه وإذا حرف جواب وجزاء فتدل على شرط مقدر أي لو دعونا وعبدنا من دونه إلها والله لقد قلنا إلخ واستلزم العبادة القول لما أنها لا تعرى عن الاعتراف بألوهية المعبود والتضرع إليه وفي القول دلالة على أن الفتية دعوا لعبادة الأصنام وليموا على تركها وهذا أوفق بكون قيامهم بين يدي الملك هؤلاء هو مبتدأ وفي اسم الإشارة تحقير لهم قومنا عطف بيان له لا خبر لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها والخبر قوله تعالى اتخذوا من دونه تعالى شأنه آلهة أي عملوها ونحتوها لهم .
قال الخفاجي : فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره كما قيل بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود وتفسير الاتخاذ بالعمل أحد احتمالين ذكرهما أبو حيان والآخر تفسيره بالتصيير فيتعدى إلى مفعولين أحدهما آلهة والثاني مقدر وجوز أن يكون آلهة هو الأول و من دونه هو الثاني وهو كما ترى وأيا ما كان فالكلام إخبار فيه معنى الإنكار لا إخبار محض بقرينة ما بعده ولأن فائدة الخبر معلومة لو لا يأتون تحضيض على وجه الإنكار والتعجيز إذ يستحيل أن يأتوا عليهم بتقدير مضاف أي على ألوهيتهم أو على صحة اتخاذهم لها آلهة بسلطان بين بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم فإن الدين لا يؤخذ إلا به واستدل به على