ولما صدر عنهم من المقالة حسبما سيحكى عنهم .
وزدناهم هدى 31 بالتثبيت على الإيمان والتوفيق للعمل الصالح والإنقطاع إلى الله تعالى والزهد في الدنيا .
وفي التحرير المراد زدناهم ثمرات هدى أو يقينا قولان وما حصلت به الزيادة امتثال المأمور وترك المنهي أو انطاق الكلب له بأنه على ما هم عليه من الإيمان وإنزال ملك عليه بالتبشير والتثبيت وإخبارهم بظهور نبي من العرب يكون به الدين كله لله تعالى فآمنوا به قبل بعثه ا ه ولا يلزم من القول بإنزال ملك عليهم بذلك القول بنبوتهم كما لا يخفى وفي زدناهم التفات من الغيبة إلى التكلم الذي عليه سبك النظم الكريم سباقا وسياقا وفيه من تعظيم أمر الزيادة ما فيه وربطنا على قلوبهم قويناها بالصبر فلم تزحزحها عواصف فراق الأوطان وترك الأهل والنعيم والإخوان ولم يزعجها الخوف من ملكهم الجبار ولم يرعها كثرة الكفار وأصل الربط الشد المعروف واستعماله فيما ذكر مجاز كما قال غير واحد وفي الأساس ربطت الدابة شددتها برباط والمربط الحبل ومن المجاز ربط الله تعالى على قلبه صبره ورابط الجأش .
وفي الكشف لما كان الخوف والتعلق يزعج القلوب عن مقارها ألا ترى إلى قوله تعالى وبلغت القلوب الحناجر قيل في مقابله ربط قلبه إذا تمكن وثبت وهو تمثيل .
وجوز بعضهم أن يكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية وعد الفعل بعلى وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم كقوله : يجرح في عراقيبها نصلي إذأ قاموا متعلق بربطها والمراد بقيامهم انبعاثهم بالعزم على التوجه إلى الله تعالى ومنابذة الناس كما في قولهم : قام فلان إلى كذا إذا عزم عليه بغاية الجد وقريبا منه ما قيل المراد به انتصابهم لإظهار الدين .
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم أنهم خرجوا من المدينة واجتمعوا وراءها على غير ميعاد فقال رجل منهم : هو أشبههم إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحدا يجده قالوا : ما تجد قال : أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض فقالوا أيضا : نحن كذلك فقاموا جميعا فقالوا ربنا رب السموات والأرض وقد تقدم آنفا عن ابن عباس القول باجتماعهم على غير ميعاد أيضا إلا أنه قال : إن بعضهم أخفى حاله عن بعض حتى تعاهدوا فاجتمعوا على كلمة فقالوا ذلك .
وقال صاحب الغنيان المراد به وقوفهم بين يدي الجبار دقيانوس وذلك أنهم قاموا بين يديه حين دعاهم إلى عبادة الأوثان فهددهم بما هددهم فبينما هم بين يديه تحركت هرة وقيل فأرة ففزع الجبار منها فنظر بعضهم إلى بعض فلم يتمالكوا أن قالوا ذلك غير مكترثين به وقيل المراد قيامهم لدعوة الناس سرا إلى الإيمان وقال عطاء : المراد قيامهم من النوم وليس بشيء ومثله ما قيل إن المراد قيامهم على الإيمان وما أحسن ما قالوا فإن ربوبيته تعالى للسموات والأرض تقتضي ربوبيته لما فيها وهم من جملته أي اقتضاء وأردفوا دعواهم تلك بالبراءة من إله غيره D فقالوا : لن ندعوا من دونه إلها وجاءوا بلن لأن النفي بها أبلغ من النفي بغيرها حتى قيل إنه يفيد استغراق الزمان فيكون المعنى لا نعبد أبدا من دونه إلها أي معبودا آخر لا استقلالا ولا اشتراكا قيل وعدلوا عن قولهم ربا إلى قولهم إلها للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون اصنامهم ألهة وللإشعار بأن مدار العبادة وصف الإلوهية وللإيذان بأن ربوبيته تعالى بطريق الإلوهية