بعض الناس أن الآية تؤيد مذهبهم لأنه تعالى خص فيها الملك بالإرسال إلى الملائكة فيتعين أن يكون هو الرسول إليهم لا البشر سواء كان بينه وبينهم مناسبة أم لا وقد سمعت ما نقل عن العلامة القطب وصاحب التقريب من أن المراد لنزلنا عليهم رسولا حال كونه ملكا لا بشرا وأجيب بأنه بعد إرخاء العنان لا تدل الآية إلا على تعين إرسال الملك إلى الملائكة إذا كانوا في الأرض يمشون مطمئنين بدل البشر ولا يلزم منه أن لا يصح إرسال البشر إليهم إذا لم يكونوا كذلك لجواز أن يكون حكمة التعين في الصورة الأولى سوى المناسبة المترتب عليها سهولة الإجتماع والتلقي شيء آخر لا يوجد في الصورة الثانية وذلك أنه إذا كان أهل الأرض ملائكة وأرسل إليهم بشر له قوة الإلقاء إليهم والإضافة عليهم نحو إرسال رسل البشر عليهم السلام صعب بحسب الطبع على ذلك الرسول بقاؤه معهم زمنا يعتد بهم كما يبقى رسل البشر مع البشر كذلك إلا أن يجعل مشاركا لهم فيما جبلوا عليه ويلحق بهم وهو أشبه شيء بإخراجه عن الطبيعة البشرية بالمرة فيكون العدول عن إرسال ملك إلى إرساله أشبه شيء بالعبث المنافي للحكمة ا ه فتدبر .
فلعل الله سبحانه يمن عليك بما يروي الغليل وتأمل في جميع ما تقدم فلعلك توفق بعون الله تعالى إلى الجرح والتعديل قل لهم ثانيا من جهتك بعد ما قلت لهم من قبلنا ما قلت وبينت لهم ما تقتضيه الحكمة في البعثة ولم يرفعوا إليه رأسا كفى بالله D وحده شهيدا على أني قد أديت ما علي إليكم بإظهار المعجزة على وفق دعواى ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى : بيني وبينكم وكذا بقوله سبحانه تعليلا للكفاية إنه كان بعباده أي الرسل والمرسل إليهم خبيرا بصيرا 69 أي محيطا بظواهرهم وبواطنهم فيجازيهم على ذلك وزعم الخفاجي أن الثاني أوفق بالسياق منه إذ يكون الكلام عليه كالسابق ردا لإنكارهم أن يكون الرسول بشرا وإلى ذلك ذهب الإمام وأن كون الأول أوفق بقوله تعالى إنه كان إلخ لا وجه له لأن معناه التهديد والوعيد بأنه سبحانه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وإنهم إنما ذكروا هذه الشبهة للحسد وحب الرياسة والإستنكاف عن الحق وفيه من التسلية لحبيبه مافيه وأنت تعلم أن إنكار كون الأول أوفق بذلك مما لا وجه له لظهور خلافه ولا ينافيه تضمن الجملة الوعيد والتسلية وأيضا يبقى أمر أوفقيته بيني وبينكم في البين ومع ذلك في تصدير الكلام بقل نوع تأييد لإرادة الأول كما لا يخفى على الذكر هذا وإنما لم يقل سبحانه بيننا تحقيقا للمعارقة وإبانة للمبانية ونصب شهيدا إما على الحال أو على التمييز ومن يهد الله كلام مبتدأ غير داخل في حيز قل يفصل ما أشار إليه الكلام السابق من مجازاة العباد لما أن علمه تعالى في مثل هذا الموضع مستعمل بمعنى المجازاة أي من يهد الله تعالى إلى الحق فهو المهتد إليه وإلى ما يؤدي إليه من الثواب أو المهتدي إلى كل مطلوب والأكثرون حذفوا ياء المهتدي ومن يضلل يخلق فيه الضلال لسوء إختياره قبح استعداده كهؤلاء المعاندين فلن تجد لهم أولياء أي أنصارا من دونه عزوجل يهدونهم إلى طريق الحق أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية أو إلى طريق النجاة من العذاب الذي يستدعيه ضلالهم على معنى لن تجد لأحد منهم وليا على ما يقتضيه قضية مقابلة الجمع بالجمع من انقسام الآحاد على الآحاد على