وإن جعل للإهتمام دل على كونه مصب الإنكار وإن لم يدل على ثبوت مقابله وعلى التقديرين فائدة التقديم لائحة ا ه وهو أكثر تحقيقا واستشكل بعضهم هذه الآية بأنها ظاهرة في أنه إنما يرسل إلى كل قبيل لا يناسبه ويجانسه كالبشر للبشر والملك للملك ولا يرسل إلى قبيل ما لا يناسبه ولا يجانسه وهو ينافي كونه مرسلا إلى الجن كالإنس إجماعا معلوما من الدين بالضرورة فيكفر منكره ومن نازع في ذلك فقد وهم وأجيب بمنع كونها ظاهرة في ذلك بل قصارى ما تدل عليه أن القوم أنكروا أن يبعث الله تعالى إلى البشر بشرا وزعموا أنه يجب أن يكون المبعوث إليهم ملكا ومرامهم نفي أن يكون النبي مبعوثا إليهم فأجيبوا بما حاصله أن الحكمة تقتضي بعث الملك إلى الملائكة لوجود المناسبة المصححة للتلقي لا إلى عامة البشر لانتفاء تلك المناسبة فأمر الوجوب الذي يزعمونه بالعكس وليس في هذا أكثر من الدلالة على أن أمر البعث منوط بوجود المناسبة فمتى وجدت صح البعث ومتى لم توجد لا يصح البعث وأنها موجودة بين الملك والملك لا بينه وبين عامة البشر كالمنكرين المذكورين وهذا لا ينافي بعثته إلى الجن لأنه E متى صح فيه المناسبة المصححة للإجتماع مع الملك والتلقي منه صح فيه المناسبة المصححة للإجتماع مع الجن والإلقاء إليهم كيف لا وهو E نسخة الله تعالى الجامعة وآيته الكبرى الساطعة وإذا قلنا إن اجتماعه E بالجن وإلقاءه عليهم بعد تشكلهم له فأمر المناسبة أظهر وليس تشكل الملك لو أرسل إلى البشر بمجد لما سمعت آنفا ويقال نحو هذا في إرساله إلى الملائكة لما فيه E من قوة الإلقاء إليهم كالتلقي منهم وإلى كونه E مرسلا إليهم ذهب من الشافعية تقى الدين السبكي والبارزي والجلال المحلي في خصائصه ومن الحنابلة ابن تيمية وابن مفلح في كتاب الروع ومن المالكية عبد الحق وقال كابن التيمية : لا نزاع بين العلماء في جنس تكليفهم بالأمر والنهي .
وقال ابراهيم اللقاني لا شك في ثبوت أصل التكليف بالطاعات العملية في حقهم وأما نحو الإيمان فهو فيهم ضروري فيستحيل تكليفهم به وقال السبكي في فتاويه : الجن مكلفون بكل شيء من هذه الشريعة بأنه إذا ثبت أنه E مرسل إليهم كما هو مرسل إلى الإنس وإن الدعوة عامة والشريعة كذلك لزمتهم جميع التكاليف التي توجد فيهم أسبابها إلا أن يقوم دليل على تخصيص بعضها فنقول : إنه يجب عليهم الصلاة والزكاة إن ملكوا نصابا بشرطه والحج وصوم رمضان وغيرها من الواجبات ويحرم عليهم كل حرام في الشريعة بخلاف الملائكة فإنا لانلتزم أن هذه التكاليف كلها ثابتة في حقهم إذا قلنا بعموم الرسالة إليهم بل يحتمل ذلك ويحتمل الرسال في شيء خاص ا ه ولا مانع من أن يكلفهم كلهم بما جاءه من ربه جل جلاله بواسطة بعضه على أنه ليس كل ما جاء به E حاصلا بوساطة الملك فيمكن أن يكون ما كلفوا به لم يكن بواسطة أحد منهم وأنكر بعضهم إرساله إليهم وبعدم الإرسال إليهم جزم الحليمي والبيهقي من الشافعية ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب من الحنفية بل نقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح والجلال المحلي في شرح جمع الجوامع وصريح آية ليكون للعالمين نذيرا إذ العالم ما سوى الله تعالى وصفاته وخبر مسلم أرسلت إلى الخلق كافة يؤيد المذهب الأول نعم استدل أهل هذا المذهب بما استدلوا به وفيه ما فيه وقد ادعى