وتعقب بأن هذا مع ما فيه من مخالفة لآثار كما ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى ظاهر في جعل الإسمين خبرين وهو مما يأباه الذوق السليم وقال الخفاجي : إن كون الإسمين خبرين غير متوجه لأنه يقتضي استقلالها وأنهم أنكروا كلا منهما حتى رد عليهم بذلك ولم ينكر أحد بشريته وتعقب بأنهم لما طلبوا منه E مما لا يتأتى من البشر كالرقي في السماء كانوا بمنزلة من أنكر بشريته وهو كما ترى وجوز بعضهم كون بشرا حالا من النكرة وسوغ ذلك تقدمه عليها وهو ركيك لأنه يقتضي أن له حالا آخر غير البشرية ولا يقول بذلك أحد اللهم إلا أن يكون من الوجودية هذا والظاهر اتحاد القائل لجميع ما تقدم ويحتمل عدم الإتحاد بأن يكون بعض اقترح شيئا وبعض ءاخر اقترح ءاخر لكن نسب القول إلى الجميع لرضا كل بما اقترح الآخر .
وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن ابن جبير أن قوله تعالى : وقالوا لن نؤمن لك الخ نزل في عبد الله بن أبي أمية وهو ظاهر في أنه القائل ولا يعكر عليه ضمير الجمع لما أشرنا إليه وأخرج ابن إسحق وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف وناسا ءآخرين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند الكعبة فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه فجاءهم سريعا وهو يظن أنهم قد بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذرك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي من قبيح إلا وقد جثته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب غليك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال رسول الله ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم و الملك عليكم ولكن الله تعالى بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله تعالى بيني وبينكم فقالوا : يامحمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسأل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله تعالى وأنه بعثك رسولا فقال رسول الله ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله تعالى بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله تعالى بيني وبينكم قالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك بما