ما فيها من المفاسد والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة والأعمال المحمودة يشفي عن النوع الآخر والشفاء إشارة إلى التخلية والرحمة إشارة إلى التحلية ولأن الأولى أهم من الثانية قدم الشفاء فتأمل والله تعالى الموفق .
وقرأ البصريان ننزل بالنون والتخفيف وقرأ مجاهد بالياء والتخفيف و رواها المروزي عن حفص .
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما شفاء ورحمة بنصبهما وقال أبو حيان : ويتخرج ذلك على أنهما حالان والخبر للمؤمنين والعامل في الحال ما في الجار والمجرور من الفعل ونظير ذلك والسموات مطويات بيمينه في قراءة نصب مطويات وقول الشاعر : رهط ابن كوز محقبي أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار ثم قال : وتقديم الحال على العامل فيه من الظرف لا يجوز إلا عند الأخفش ومن منع جعله منصو با على إضمار أعني وأنت تعلم أن من يجوز مجيء الحال من المبتدأ لا يحتاج إلى ذلك وإذا أنعمنا بالصحة والسعة ونحوهما على الانسان أي جنسه فيكفي في صحة الحكم وجوده في بعض الأفراد ولا يضر وجود نقيضه في البعض الآخر وقيل المراد به الوليد بن المغيرة أعرض عن ذكرنا كأنه مستغن عنا فضلا عن القيام بمواجب شكرنا ونأى بجانبه لوى عطفه عن طاعتنا وولاها ظهره وأصل معنى النأي البعد وهو تأكيد للاعراض بتصوير صورته فهو أوفى بتأدية المراد منه ومثله يجوز عطفه لايهام المغايرة بينهما وهو أبلغ من ترك العطف على ما بين في محله على أن ما ذكره أهل المعاني من أن التأكيد يتعين في ترك العطف لكمال الاتصال غير مسلم والجانب على ظاهره والمراد ترك ذلك ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار فإن ثنى العطف من أفعال المستكبرين و لا يبعد أن يراد بالجانب النفس كما يقال جاء من جانب فلان كذا أي منه وهو كناية أيضا كما يعبر بالمقام والمجلس عن صاحبه وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وناء هنا وفي فصلت فقيل ذلك من باب القلب ووضع العين محل اللام كراء ووراء وقيل لا قلب وناء بمعنى نهض كما في قوله : حتى إذا ما التأمت مفاصله وناء في شق الشمال كاهله أي نهض متوكئا على شماله وفسر نهض هنا بأسرع والكلام على تقدير مضاف أي أسرع بصرف جانبه وقيل : معناه تثاقل عن أداء الشكر فعل المعرض وإذا مسه الشر من مرض أو فقر أو نازلة من النوازل كان يؤسا 38 شديد اليأس من رحمتنا لأنه لم يحسن معاملتنا في الرخاء حتى يرجو فضلنا في الشدة وفي إسناد المساس إلى الشر بعد إسناد الانعام إلى ضميره تعالى وإيذان بأن الخير مراد بالذت وليس الشر كذلك لأن ذلك هو الذي يقتضيه الكرم المطلق والرحمة الواسعة وإلى ذلك الإشارة بقوله اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك وللفلاسفة ومن يحذو حذهم في ذلك بحث طويل لا بأس بالاطلاع عليه ليؤخذ منه ما صفا ويترك منه ما كدر قالوا : إن الأول تعالى تام القدرة والحكمة والعلم كامل في جميع أفاعيله لا يتصور بخله بإضافة الخيرات وليس الداعي له لذلك إلا علمه بوجوه الخير ومصالح الغير الذي هو عين ذاته كسائر صفاته وأما النقائص والشرور الواقعة في ضرب من الممكنات وعدم وصولها إلى كمالها المتصور في حقها فهي لقصور قابلياتها ونقص استعداداتها لا من بخل الحق تعالى مجده عن ذلك