كالذين سمعوا تسبيح الحصى في مجلس سيد الكاملين والتسبيح الحالي مما لا ينكره أحد من المسلمين وقرره بعض الصوفية بأن لكل شيء خاصية ليست لغيره وكما لا يخصه دونما عداه فهو يشتاقه ويطلبه إذا لم يكن حاصلا له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ينزه الله تعالى من الشريف وإلا لم يكن متوحدا فيها فلسان حاله يقول أوحده على ما وحدني وبطلب كماله ينزهه سبحانه عن صفات النقص كأنه يقول يا كامل كملني وبإظهار كماله كأنه يقول كملني الكامل المكمل وعلى هذا القياس وحينئذ يقال : تسبحه السموات بالكمال والتأثير والربوبية وبأنه كل يوم هو في شأن ونحو ذلك والأرض بالخلاقية والرزاقية والرحمة إلى غير ذلك والملائكة بالعلم والقدرة والتجرد عن المادة على القول بأنهم أرواح مجردة وهكذا وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا من الجهل وعمى القلب فلا يرون حقيقتك القدسية ولا يدركون منك إلا الصورة البشرية وإنما خص ذلك بوقت قراءة القرآن مع أنهم في كل وقت هم أجهل الخلق به بأن في ذلك الوقت يظهر إشراق أنوار الصفات عليه E فإذا كانوا محجوبين إذ ذاك كانوا في غيره من الأوقات أحجب وأحجب وجعلنا على قلوبهم أكنة من الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية أن يفقهوه فإن القرآن كلامه تعالى وهو أحد صفاته وإذا لم يعرفوا نبيه لم يعرفوه D وإذا لم يعرفوه سبحانه لم يعرفوا صفاته تعالى فلم يعرفوا كلامه سبحانه وفي آذانهم وقرا لرسوخ أوساخ التعلقات فيها يمنعهم عن سماع القراءة وهذا ناشيء من جهلهم بأفعاله تعالى وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا لتشتت أهوائهم وتفرق همهم في عبادة آلهتهم المتنوعة فلا تناسب الوحدة بواطنهم يوم يدعوكم للقيام من القبور فتستجيبون بحمده حامدين له تعالى مجده بلسان القال أو بلسان الحال حيث أظهر فيكم الحياة بعد الموت ونحو ذلك .
وتظنون إن لبثتم في القبور أو في الدنيا إلا قليلا لذهولكم عن ذلك الزمان أو لاستقصاركم الدنيا بالنسبة إلى الآخرة ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم فيه إشارة إلى أن المشيئة تابعة للعلم فمن علم سبحانه أهليته للرحمة شاء تعالى رحمته فرحمه ومن علم جل وعلا أهليته للعذاب شاء عذابه فعذبه ولا يخفى ما في تقديم شق مشيئة الرحمة من تقوية الأمل أولئك الذين يدعون أي يدعونهم الكفار ويعبدونهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب أي يطلب الأقرب منهم الوسيلة إلى الله تعالى فكيف بغير الأقرب والوسيلة في الأصل الواسطة التي يتوسل ويتقرب بها إلى الشيء وهي هنا الطاعة كما تقدم .
وقيل هي كرمه تعالى القديم وإحسانه D العميم وقيل هي الشفاعة يوم القيامة ولما كان مقام الوسيلة بهذا المعنى خاصا بنبينا أطلقوا الوسيلة عليه E وفسرها بذلك هنا بعض الصوفية فكل من عبد من دون الله تعالى من عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام وسيلتهم إلى الله تعالى نبينا بل هو E وسيلة سائر الموجودات والواسطة بينهم وبين الله تعالى في إفاضته سبحانه الوجود وكذا سائر ما أفيض عليهم وأحظى الخلق بوسطاته الأنبياء عليهم السلام فإنهم أشعة أنواره وعكوسات آثاره وهو النور الحق والنبي المطلق وكان نبينا آدم بين الماء والطين وقد تلقى الأنبياء منه من وراء حجاب الأرحام والأصلاب وظهروا إذا كان محتجبا ظهور الكواكب في الليل فلما بزغت شمس النبوة