قالوا : إنه رضي الله تعالى عنه عني بهذا الجوهر الذي لو باح به لقيل له : أنت ممن يعبد الوثن علم الوحدة إذ منه يعلم أن الوثن وكذا غيره مظهر له جل وعلا وليس في الدار غيره ديار وقد مر عن قرب ما نقل عن الحلاج ومثله كثير للشيخ الأكبر قدس سره ولغيره عربا وعجما وهو عفا الله تعالى عنه قد فتح بابا في هذا المطلب لا يسد إلى أن يأتي أمر الله D وكأنه أوصى إليه بأن يبوح وينكر هاتيك الجواهر بين الأصاغر والأكابر كما أوصى إلى الحسنين بأن يكتما من ذلك ما علما وفي بعض كتبه قدس سره ما هو صريح في أنه مأمور فإن صح ذلك فهو معذور وأنا لا أرى عذرا لمن يقفوا أثره في المقال مع مباينته له في الحال فإن هذا المطلب أجل من أن يحصل لغريق الشهوات وأسير المألوفات ورهين العادات ولله تعالى در من قال : تقول نساء الحي تطمع أن ترى محاسن ليلى مت بداء المطامع وكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع وتطمع منها بالحديث وقد جرى حديث سواها في خروق المسامع ولا يخفى أنه على تأويل الصوفية هذه الآية لا يكون قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا داخلا فيما قضى إذ لا يسمعهم أن يقولوا إنا كل أحد محسن بوالديه من حيث يدري ومن حيث لا ويفهم من كلام بعض المتصوفة أن هذا إيصاء بالإحسان إلى الشيخ أيضا وعليه فيحتمل أن يكون تثنية الوالدين كما في قوله : القلم أحد اللسانين وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل قيل : ذو القربى إشارة إلى الروح لأنها كانت قبل في القربة والمشاهدة ثم هبطت والمسكين إشارة إلى العقل لأنه عاجز عن تحصيل العلم بحقيقة ربه سبحانه وابن السبيل إشارة إلى القلب لأنه يتقلب في سبل السلوك إلى ملك الملوك وحق الروح المشاهدة والعقل الفكر والقلب الذكر وقيل : الأول إشارة إلى إخوان المعرفة الذين وصلوا معالي المقامات وحقهم ذكر ما يزيد تمكينهم والثاني إشارة إلى العاشقين الذين سكنهم عشق مولاهم عن طلب ما سواه وحقهم ذكر ما يزيد عشقهم والثالث إشارة إلى السالكين سبل الطلب الممتطين نجائب الهمة وحقهم ذكر ما يزيد رغبتهم ويهول مشقتهم ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فيه إشارة للمشايخ كيف يكونون مع المريدين أي لا يبخل على المريد بنشر فضائل المعرفة وحقائق القربة ولا تذكروا شيئا لا يحتمله فيهلك وكنا بين بين وأوفوا بالعهد الذي أخذ منكم قبل خلق الأشباح وهو أن توحدوه تعالى ولا تشركوا به شيئا .
وقال يحيى بن معاذ : لربك عليك عهود ظاهرا وباطنا فعهد على الأسرار أن لا تشاهد سواه جل جلاله وعهد على الروح أن لا تفارق مقام القربة وعهد على القلب أن لا يفارق القول وعهد على النفس أن لا تترك شيئا من الفرائض وعهد على الجوارح أن تلازم الأدب وتترك المخالفات وأوفوا الكيل إذا كلتم قيل فيه إشارة للمشايخ أيضا أن لا ينقصوا المستعدين ما يقتضيه استعدادهم من الفيوضات القلبية وفي قوله تعالى : وزنوا بالقسطاس المستقيم إشارة لهم أن يعرضوا أعمال المريدين القلبية والقالبية على الشريعة فهي القسطاس المستقيم وكفتاها الحظر والإباحة ولا تقف ما ليس لك به علم الآية فيه إشارة إلى بعض ما يلزم السالك من التثبت والاحتياط والكف عن الدعاوى العاطلة يسبح له السموات السبع الآية وقد علمت ما عند الصوفية في تسبيح الأشياء من أنه قالي إلا أنه لا يسمعه إلا من فاز بقرب النوافل أو من أشرق عليه شيء من أنواره