يريه إبليس فرآه فسأله هل تطمع في رحمة الله تعالى فقال : كيف لا أطمع فيها والله سبحانه يقول : ورحمتي وسعت كل شيء وأنا شيء من الأشياء فقال التستري : ويلك إن الله تعالى قيد في آخر الآية فقال إبليس له : ويحك ما أجهلك القيد لك لا له ولعله يزعم أن آيات الوعيد مطلقا مقيدة بالمشيئة وإن لم تذكر كما يقوله بعض الأشاعرة في آيات الوعيد للعصاة من المؤمنين .
السؤال الثاني ما الحكمة في أن الله تعالى أنظره إلى يوم القيامة ومكنه من الوسوسة والحكيم إذا أراد أمرا وعلم أن له مانعا يمنع من حصوله لا يسعى في تحصيل ذلك المانع والجواب إما على مذهبنا فظاهر وأما المعتزلة فقال الجبائي منهم : إن الله تعالى علم أن الذين يكفرون عند وسوسة إبليس يكفرون بتقدير أن لا يوجد وحينئذ لم يكن في وجوده مزيد مفسدة وقال أبو هاشم : لا يبعد أن يحصل من وجوده مزيد مفسدة إلا أنه تعالى أبقاه تشديدا للتكليف على الخلق ليستحقوا بذلك مزيد الثواب وأنا أقول : إن إبليس ليس مانعا مما يريده الله جل مجده وتعالى جده فما شاء الله سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن والله تبارك وتعالى خلق الخلق طبق علمه وعلم به طبق ما هو عليه في نفسه فأفهم والله تعالى أعلم .
ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر مبتدأ وخبر وقيل الموصول صفة ربكم وهو صفة لقوله تعالى الذي فطركم أو أبدل منه وذلك جائز وإن تباعد ما بينهما ا ه وفيه ما فيه وأصل الأزجاء السوق حالا بعد حال والمراد به الاجراء وكأن اختياره عليه لما أنه أدل منه على القسر وهو أوفق بالمقام وأعظم في الإنعام أي هو سبحانه وتعالى القادر الحكيم الذي يجري لنفعكم السفن في البحر بالريح اللينة وبالآلات حسبما جرت به عادته تعالى لتبتغوا من فضله تصريح بالنفع أي لتطلبوا من رزقه الذي هو فضل من قبله سبحانه أو من الربح الذي هو جل شأنه معطيه ومن تبعيضية وتفسير الفضل بالحج أو الغزو غير مناسب وهذا تذكير لبعض النعم التي هي دلائل التوحيد الذي هو المراد الأصلي من البعثة وتمهيد لذكر توحيدهم عند مساس الضر تكملة لما مر من قوله سبحانه : فلا يملكون الآية إنه كان أزلا وأبدا بكم رحيما 66 حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما يعسر من مباديه وهذا تذليل فيه تعليل لما سبق من الازجاء والابتغاء للفضل وصيغة الرحيم كما في إرشاد العقل السليم للدلالة على أن المراد بالرحمة الرحمة الدنيوية والنعمة العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة وهو مبني على اختصاص الرحيم بالدنيا كما هو المشهور وعليه يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وقيل بعدم الاختصاص وعليه يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .
وإذا مسكم الضر في البحر خوف من الغرق بعصف الريح وتقاذف الأمواج ضل من تدعون أي ذهب عن خواطركم من تدعونه وترجون نفعه فلا تذكرونه إلا إياه جل وعلا فإنكم تذكرونه وحده سبحانه لا تذكرون سواه ولا يخطر ببالكم غيره تعالى لكشف ما حل بكم من الضر استقلالا أو اشتراكا فالمراد بضلالهم غيبتهم عن الكفر لا عن النظر والحس لأنه أمر معلوم من قولهم : ضل عنه كذا إذا نسيه وفي الكشف هو من ضل عنه كذا إذا ضاع ولا حاجة إلى تضمين أو من ضله فلان ذهب عنه فلم يقدر عليه ذكره الأزهري وأنشد