ليست لذائذ في الحقيقة بل دفع آلام وإن سلم لأنها لذائذ لكنها خسيسة يشترك فيها الناقص والكامل بل الانسان والكلب ومع ذلك هي وشيكة الزوال ولا تحصل إلا بمتاعب كثيرة ومشاق عظيمة ويتبعها الموت والهرم واشتغال البال بالخوف من زوالها والحرص على بقائها ولذات البطن والفرج منها لا تتم إلا بمزاولة رطوبات متعفنة مستقذرة فتزيين ذلك لا يكاد يكون بما هو أكذب من دعوى اجتماع النقيضين وهو الغرور .
إن عبادي الإضافة للتعظيم فتدل على تخصيص العباد بالمخلصين كما وقع التصريح به في الآية الأخرى ولقرينة كون الله تعالى وكيلا لهم يحميهم من شر الشيطان فإن من هو كذلك لا يكون إلا عبدا مكرما مختصا به تعالى وكثيرا ما يقال لمن يستولي عليه حب شيء فينقاد له عبد ذلك الشيء ومنه عبد الدينار والدرهم وعبد الخميصة وعبد بطنه ومن هنا يقال لمن يتبع الشيطان عبد الشيطان فلا حاجة إلى القول بأن في الكلام صفة محذوفة أي إن عبادي المخلصين .
وزعم الجبائي أن عبادي عام لجميع المكلفين وليس هناك صفة محذوفة لكن ترك الاستثناء اعتمادا على التصريح به في موضع آخر وليس بشيء وفي هذه الإضافة إيذان بعلة ثبوت الحكم في قوله سبحانه : ليس لك عليهم سلطان أي تسلط وقدرة على إغوائهم وتأكيد الحكم مع اعتراف الخصم به لمزيد الاعتناء .
وكفى بربك وكيلا 56 لهم يتوكلون عليه جل وعلا ويستمدون منه تعالى في الخلاص عن إغوائك فيحميهم سبحانه منه والخطاب في هذه الجملة قيل للشيطان كما في الجملة السابقة ففي التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن المالكية المطلقة والتصرف الكلي مع الإضافة إلى ضميره إشعار بكيفية كفايته تعالى لهم وحمايته إياهم منه أعني سلب قدرته على إغوائهم وقيل للنبي E أو للإنسان كأنه لما بين سبحانه من حال الشيطان ما بين صار ذلك لحصول الخوف في القلوب فقال سبحانه : وكفى بربك أيها النبي أو أيها الانسان وكيلا فهو جل جلاله يدفع كيد الشيطان ويحفظ منه والقلب يميل إلى عدم كونه خطابا للشيطان وإن كان في السابق له واستدل بالآية على أن المعصوم من عصمه الله تعالى وأن الانسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال وإلا لقيل وكفى بالإنسان وكيلا لنفسه هذا وههنا سؤالان ذكرهما الإمام مع جوابيهما الأول أن إبليس هل كان عالما بأن الذي تكلم معه بهذه التهديدات هو إله العالم أو لم يكن عالما فإن كان الأول فكيف يصر على الوعيد الشديد بقوله سبحانه : فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا مانعا له من المعصية مع أنه سمعه من الله جل جلاله من غير واسطة وإن كان الثاني فكيف قال : أرأيتك هذا الذي كرمت علي والجواب لعله كان شاكا في الكل وكان يقول في كل قسم ما يخطر بباله على سبيل الظن وأقول لا يخفى ما في هذا الجواب .
والحق فيه أنه كان جازما بأن الذي تكلم معه بذلك هو إله العالم جل وعلا إلا أنه غلبت عليه شقوته التي استعدت لها ذاته فلم يصر الوعيد مانعا له ولذا حين تنصب لهلاكه الحبائل إذا جاء وقته ويعاين من العذاب ما يعاين وتضيق عليه الأرض بما رحبت فيقال له : أسجد اليوم لآدم عليه السلام لتنجو لا يسجد ويقول : لم أسجد له حيا فكيف أسجد له ميتا كما ورد في بعض الآثار وليس هذا بأعجب من حال الكفار الذين يعذبون يوم القيامة أشد العذاب على كفرهم ويطلبون العود ليؤمنوا حيث أخبر الله تعالى بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه .
وربما يقال : إن اللعين مع هذا الوعيد له أمل بالنجاة فقد حكي أن مولانا عبد الله التستري سأل الله تعالى أن